صفحة جزء
ثم قال تعالى : ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ) واعلم أنا إنما نتكلم الآن على تقدير أن قوله تعالى : ( قل لعبادي ) المراد به المؤمنون ، وعلى هذا التقدير فقوله : ( ربكم أعلم بكم ) خطاب مع المؤمنين ، والمعنى : إن يشأ يرحمكم ، والمراد بتلك الرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم . ثم قال : ( وما أرسلناك ) يا محمد ( عليهم وكيلا ) أي : حافظا وكفيلا فاشتغل أنت بالدعوة ولا شيء عليك من كفرهم فإن شاء الله هدايتهم هداهم ، وإلا فلا .

والقول الثاني : أن المراد من قوله : ( وقل لعبادي ) الكفار ، وذلك لأن المقصود من هذه الآيات الدعوة ، فلا يبعد في مثل هذا الموضع أن يخاطبوا بالخطاب الحسن ليصير ذلك سببا لجذب قلوبهم وميل طباعهم إلى قبول الدين الحق ، فكأنه تعالى قال : يا محمد قل لعبادي الذين أقروا بكونهم عبادا لي يقولوا التي هي أحسن . وذلك لأنا قبل النظر في الدلائل والبينات نعلم بالضرورة أن وصف الله تعالى بالتوحيد والبراءة عن الشركاء والأضداد أحسن من إثبات الشركاء والأضداد ، ووصفه بالقدرة على الحشر والنشر بعد الموت أحسن من وصفه بالعجز عن ذلك ، وعرفهم أنه لا ينبغي لهم أن يصروا على تلك المذاهب الباطلة تعصبا للأسلاف ، لأن الحامل على مثل هذا التعصب هو الشيطان ، والشيطان عدو ، فلا ينبغي أن يلتفت إلى قوله ثم قال لهم : ( ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم ) بأن يوفقكم للإيمان والهداية والمعرفة . وإن يشأ يمتكم ، على الكفر فيعذبكم ، إلا أن تلك المشيئة غائبة عنكم فاجتهدوا أنتم في طلب الدين الحق ، ولا تصروا على الباطل والجهل لئلا تصيروا محرومين عن السعادات الأبدية والخيرات السرمدية ، ثم قال لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : ( وما أرسلناك عليهم وكيلا ) أي : لا تشدد الأمر عليهم ولا تغلظ لهم في القول ، والمقصود من كل هذه الكلمات : إظهار اللين والرفق لهم عند الدعوة فإن ذلك هو الذي يؤثر في القلب ويفيد حصول المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية