1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون
صفحة جزء
المسألة السادسة : هذه الآية دالة على أمور ، الأول : أنها دالة على أنه لا يقدر على الإحياء والإماتة إلا الله تعالى ، فيبطل به قول أهل الطبائع من أن المؤثر في الحياة والموت كذا وكذا من الأفلاك والكواكب والأركان والمزاجات ، كما حكى عن قوم في قوله : ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ) [ الجاثية : 24 ] .

الثاني : أنها تدل على صحة الحشر والنشر مع التنبيه على الدليل العقلي الدال عليه ؛ لأنه تعالى بين أنه أحيا هذه الأشياء بعد موتها في المرة الأولى فوجب أن يصح ذلك في المرة الثانية .

الثالث : أنها تدل على التكليف والترغيب والترهيب .

الرابع : أنها دالة على الجبر والقدر كما تقدم بيانه .

الخامس : أنها دالة على وجوب الزهد في الدنيا لأنه قال : ( فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) فبين أنه لا بد من الموت ، ثم بين أنه لا يترك على هذا الموت ، بل لا بد من الرجوع إليه . أما أنه لا بد من الموت ، فقد بين سبحانه وتعالى [ ص: 141 ] أنه بعدما كان نطفة فإن الله أحياه وصوره أحسن صورة وجعله بشرا سويا وأكمل عقله وصيره بصيرا بأنواع المنافع والمضار وملكه الأموال والأولاد والدور والقصور ، ثم إنه تعالى يزيل كل ذلك عنه بأن يميته ويصيره بحيث لا يملك شيئا ولا يبقى منه في الدنيا خبر ولا أثر ويبقى مدة طويلة في اللحود ، كما قال تعالى : ( ومن ورائهم برزخ ) [ المؤمنون : 100 ] ، ينادى فلا يجيب ويستنطق فلا يتكلم ، ثم لا يزوره الأقربون ، بل ينساه الأهل والبنون . كما قال يحيى بن معاذ الرازي :


يمر أقاربي بحذاء قبري كأن أقاربي لم يعرفوني



وقال أيضا : إلهي كأني بنفسي وقد أضجعوها في حفرتها ، وانصرف المشيعون عن تشييعها ، وبكى الغريب عليها لغربتها ، وناداها من شفير القبر ذو مودتها ، ورحمتها الأعادي عند جزعتها ، ولم يخف على الناظرين عجز حيلتها ، فما رجائي إلا أن تقول ما تقول ملائكتي انظروا إلى فريد قد نأى عنه الأقربون ، ووحيد قد جفاه المحبون ، أصبح مني قريبا وفي اللحد غريبا ، وكان لي في الدنيا داعيا ومجيبا ، ولإحساني إليه عند وصوله إلى هذا البيت راجيا ، فأحسن إلي هناك يا قديم الإحسان ، وحقق رجائي فيك يا واسع الغفران .

وأما أنه لا بد من الرجوع إلى الله فلأنه سبحانه يأمر بأن ينفخ في الصور ( فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [ الزمر : 68 ] ، وقال : ( يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ) [ المعارج : 43 ] ، ثم يعرضون على الله كما قال : ( وعرضوا على ربك صفا ) [ الكهف : 48 ] ، فيقومون خاشعين خاضعين كما قال : ( وخشعت الأصوات للرحمن ) [ طه : 108 ] .

وقال بعضهم : إلهنا إذا قمنا من ثرى الأجداث مغبرة رؤوسنا ، ومن شدة الخوف شاحبة وجوهنا ، ومن هول القيامة مطرقة رؤوسنا ، وجائعة لطول القيامة بطوننا ، وبادية لأهل الموقف سوآتنا ، وموقرة من ثقل الأوزار ظهورنا ، وبقينا متحيرين في أمورنا نادمين على ذنوبنا ، فلا تضعف المصائب بإعراضك عنا ، ووسع رحمتك وغفرانك لنا ، يا عظيم الرحمة يا واسع المغفرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية