صفحة جزء
وأما الآثار فمن وجوه :

( أ ) العالم أرأف بالتلميذ من الأب والأم ؛ لأن الآباء والأمهات يحفظونه من نار الدنيا وآفاتها ، والعلماء يحفظونه من نار الآخرة وشدائدها .

( ب ) قيل لابن مسعود : بم وجدت هذا العلم ؟ قال : بلسان سئول ، وقلب عقول .

( ج ) قال بعضهم : سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس .

( د ) مصعب بن الزبير قال لابنه : يا بني تعلم العلم فإن كان لك مال كان العلم لك جمالا ، وإن لم يكن لك مال كان العلم لك مالا .

( ه ) قال علي بن أبي طالب : لا خير في الصمت عن العلم كما لا خير في الكلام عن الجهل .

( و ) قال بعض المحققين : العلماء ثلاثة عالم [ ص: 167 ] بالله غير عالم بأمر الله ، وعالم بأمر الله غير عالم بالله ، وعالم بالله وبأمر الله .

أما الأول : فهو عبد قد استولت المعرفة الإلهية على قلبه ، فصار مستغرقا بمشاهدة نور الجلال وصفحات الكبرياء ، فلا يتفرغ لتعلم علم الأحكام إلا ما لا بد منه .

الثاني : هو الذي يكون عالما بأمر الله وغير عالم بالله وهو الذي عرف الحلال والحرام وحقائق الأحكام لكنه لا يعرف أسرار جلال الله .

أما العالم بالله وبأحكام الله فهو جالس على الحد المشترك بين عالم المعقولات وعالم المحسوسات فهو تارة مع الله بالحب له ، وتارة مع الخلق بالشفقة والرحمة ، فإذا رجع من ربه إلى الخلق صار معهم كواحد منهم كأنه لا يعرف الله ، وإذا خلا بربه مشتغلا بذكره وخدمته فكأنه لا يعرف الخلق ، فهذا سبيل المرسلين والصديقين ، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام : " سائل العلماء ، وخالط الحكماء ، وجالس الكبراء " فالمراد من قوله عليه السلام : سائل العلماء أي العلماء بأمر الله غير العالمين بالله ، فأمر بمساءلتهم عند الحاجة إلى الله استفتاء منهم ، وأما الحكماء فهم العالمون بالله الذين لا يعلمون أوامر الله فأمر بمخالطتهم ، وأما الكبراء فهم العالمون بالله وبأحكام الله فأمر بمجالستهم ؛ لأن في تلك المجالسة منافع الدنيا والآخرة ، ثم قال شقيق البلخي : لكل واحد من هؤلاء الثلاثة ثلاث علامات ، أما العالم بأمر الله فله ثلاث علامات : أن يكون ذاكرا باللسان دون القلب ، وأن يكون خائفا من الخلق دون الرب ، وأن يستحيي من الناس في الظاهر ولا يستحيي من الله في السر ، وأما العالم بالله فإنه يكون ذاكرا خائفا مستحييا .

أما الذكر فذكر القلب لا ذكر اللسان ، وأما الخوف فخوف الرياء لا خوف المعصية ، وأما الحياء فحياء ما يخطر على القلب لا حياء الظاهر ، وأما العالم بالله وبأمر الله فله ستة أشياء ، الثلاثة التي ذكرناها للعالم بالله فقط مع ثلاثة أخرى : كونه جالسا على الحد المشترك بين عالم الغيب وعالم الشهادة ، وكونه معلما للقسمين الأولين ، وكونه بحيث يحتاج الفريقان الأولان إليه وهو يستغني عنهما ، ثم قال : مثل العالم بالله وبأمر الله كمثل الشمس لا يزيد ولا ينقص ، ومثل العالم بالله فقط ، كمثل القمر يكمل تارة وينقص تارة أخرى ، ومثل العالم بأمر الله فقط ، كمثل السراج يحرق نفسه ويضيء لغيره .

( ز ) قال فتح الموصلي : أليس المريض إذا امتنع عنه الطعام والشراب والدواء يموت ؟ فكذا القلب إذا امتنع عنه العلم والفكر والحكمة يموت .

( ح ) قال شقيق البلخي : الناس يقومون من مجلسي على ثلاثة أصناف : كافر محض ، ومنافق محض ، ومؤمن محض ، وذلك لأني أفسر القرآن فأقول عن الله وعن الرسول فمن لا يصدقني فهو كافر محض ، ومن ضاق قلبه منه فهو منافق محض ، ومن ندم على ما صنع ، وعزم على أن لا يذنب كان مؤمنا محضا .

وقال أيضا : ثلاثة من النوم يبغضها الله تعالى ، وثلاثة من الضحك : النوم بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العتمة ، والنوم في الصلاة ، والنوم عند مجلس الذكر ، والضحك خلف الجنازة ، والضحك في المقابر ، والضحك في مجلس الذكر .

( ط ) قال بعضهم في قوله تعالى : ( فاحتمل السيل زبدا رابيا ) [الرعد : 17] السيل ههنا العلم ، شبهه الله تعالى بالماء لخمس خصال : أحدها : كما أن المطر ينزل من السماء كذلك العلم ينزل من السماء .

والثاني : كما أن إصلاح الأرض بالمطر فإصلاح الخلق بالعلم .

الثالث : كما أن الزرع والنبات لا يخرج بغير المطر كذلك الأعمال والطاعات لا تخرج بغير العلم .

والرابع : كما أن المطر فرع الرعد والبرق كذلك العلم فإنه فرع الوعد والوعيد .

الخامس : كما أن المطر نافع وضار ، كذلك العلم نافع [ ص: 168 ] وضار : نافع لمن عمل به ضار لمن لم يعمل به .

( ي ) كم من مذكر بالله ناس لله ، وكم من مخوف بالله جريء على الله ، وكم من مقرب إلى الله بعيد عن الله ، وكم من داع إلى الله فار من الله ، وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله . ( يا ) الدنيا بستان زينت بخمسة أشياء : علم العلماء ، وعدل الأمراء ، وعبادة العباد ، وأمانة التجار ، ونصيحة المحترفين .

فجاء إبليس بخمسة أعلام فأقامها بجنب هذه الخمس جاء بالحسد فركزه في جنب العلم ، وجاء بالجور فركزه بجنب العدل ، وجاء بالرياء فركزه بجنب العبادة ، وجاء بالخيانة فركزها بجنب الأمانة ، وجاء بالغش فركزه بجنب النصيحة .

( يب ) فضل الحسن البصري على التابعين بخمسة أشياء : أولها : لم يأمر أحدا بشيء حتى عمله .

والثاني : لم ينه أحدا عن شيء حتى انتهى عنه .

والثالث : كل من طلب منه شيئا مما رزقه الله تعالى لم يبخل به من العلم والمال .

والرابع : كان يستغني بعلمه عن الناس ، والخامس : كانت سريرته وعلانيته سواء .

( يج ) إذا أردت أن تعلم أن علمك ينفعك أم لا فاطلب من نفسك خمس خصال : حب الفقر لقلة المؤنة ، وحب الطاعة طلبا للثواب ، وحب الزهد في الدنيا طلبا للفراغ ، وحب الحكمة طلبا لصلاح القلب ، وحب الخلوة طلبا لمناجاة الرب .

( يد ) اطلب خمسة في خمسة ، الأول : اطلب العز في التواضع لا في المال والعشيرة .

والثاني : اطلب الغنى في القناعة لا في الكثرة .

والثالث : اطلب الأمن في الجنة لا في الدنيا .

والرابع : اطلب الراحة في القلة لا في الكثرة .

والخامس : اطلب منفعة العلم في العمل لا في كثرة الرواية .

( يه ) قال ابن المبارك : ما جاء فساد هذه الأمة إلا من قبل الخواص وهم خمسة : العلماء ، والغزاة ، والزهاد : والتجار ، والولاة .

أما العلماء فهم ورثة الأنبياء ، وأما الزهاد فعماد أهل الأرض ، وأما الغزاة فجند الله في الأرض ، وأما التجار فأمناء الله في أرضه ، وأما الولاة فهم الرعاة ، فإذا كان العالم للدين واضعا وللمال رافعا فبمن يقتدي الجاهل ؟ وإذا كان الزاهد في الدنيا راغبا فبمن يقتدي التائب ؟ وإذا كان الغازي طامعا مرائيا فكيف يظفر بالعدو ؟ وإذا كان التاجر خائنا فكيف تحصل الأمانة ؟ وإذا كان الراعي ذئبا فكيف تحصل الرعاية ؟

( يو ) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : العلم أفضل من المال بسبعة أوجه : أولها : العلم ميراث الأنبياء ، والمال ميراث الفراعنة .

الثاني : العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص .

والثالث : يحتاج المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه .

والرابع : إذا مات الرجل يبقى ماله والعلم يدخل مع صاحبه قبره .

والخامس : المال يحصل للمؤمن والكافر ، والعلم لا يحصل إلا للمؤمن .

والسادس : جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم ، ولا يحتاجون إلى صاحب المال .

السابع : العلم يقوي الرجل على المرور على الصراط ، والمال يمنعه .

( يز ) قال الفقيه أبو الليث : إن من يجلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئا فله سبع كرامات :

أولها : ينال فضل المتعلمين .

والثاني : ما دام جالسا عنده كان محبوسا عن الذنوب .

والثالث : إذا خرج من منزله طلبا للعلم نزلت الرحمة عليه .

والرابع : إذا جلس في حلقة العلم فإذا نزلت الرحمة عليهم حصل له منها نصيب .

والخامس : ما دام يكون في الاستماع ، تكتب له طاعة .

والسادس : إذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه لحرمانه عن إدراك العلم فيصير ذلك الغم وسيلة له إلى حضرة الله تعالى ؛ لقوله عز وجل : " أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي " .

والسابع : يرى إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفساق فيرد قلبه [ ص: 169 ] عن الفسق ويميل طبعه إلى العلم ؛ فلهذا أمر عليه الصلاة والسلام بمجالسة الصالحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية