1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة النور
  4. قوله تعالى والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا
صفحة جزء
المسألة الثالثة : قال محيي السنة : الكتابة أن يقول لمملوكه كاتبتك على كذا ويسمي مالا معلوما يؤديه في نجمين أو أكثر ، ويبين عدد النجوم وما يؤدي في كل نجم ، ويقول إذا أديت ذلك المال فأنت حر ، أو نوى ذلك بقلبه ويقول العبد قبلت ، وفي هذا الضبط أبحاث .

البحث الأول : قال الشافعي رحمه الله : إن لم يقل بلسانه أو لم ينو بقلبه إذا أديت ذلك المال فأنت حر لم يعتق ، وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ومحمد وزفر رحمهم الله لا حلاجة إلى ذلك ، حجة أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) خال عن هذا الشرط فوجب أن تصح الكتابة بدون هذا الشرط ، وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع ، حجة الشافعي رحمه الله : أن الكتابة ليست عقد معاوضة محضة ، لأن ما في يد العبد فهو ملك السيد والإنسان لا يمكنه بيع ملكه بملكه ، بل قوله كاتبتك كتابة في العتق فلا بد من لفظ العتق أو نيته .

البحث الثاني : لا تجوز الكتابة الحالة عند الشافعي ، وتجوز عند أبي حنيفة ، وجه قول الشافعي رحمه الله أن العبد لا يتصور له ملك يؤديه في الحال ، وإذا عقد حالا توجهت المطالبة عليه في الحال ، فإذا عجز عن الأداء لم يحصل مقصود العقد ، كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند المحل لا يصح بخلاف ما لو أسلم إلى معسر فإنه يجوز ، لأنه حين العقد يتصور أن يكون له ملك في الباطن ، فالعجز لا يتحقق عن أدائه ، وجه قول أبي حنيفة رحمه الله أن قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) مطلق يتناول الكتابة الحالة والمؤجلة ، وأيضا لما كان مال الكتابة بدلا عن الرقبة كان بمنزلة أثمان السلع المبيعة فيجوز عاجلا وآجلا

وأيضا أجمعوا على جواز العتق معلقا على مال حال فوجب أن تكون الكتابة مثله ، لأنه بدل عن العتق في الحالين إلا أن في أحدهما العتق معلق على شرط الأداء وفي الآخر معجل ، فوجب أن لا يختلف حكمهما .

البحث الثالث : قال الشافعي رحمه الله : لا تجوز الكتابة على أقل من نجمين ، يروى ذلك عن علي وعثمان وابن عمر ، روي أن عثمان رضي الله عنه غضب على عبده ، فقال : لأضيقن الأمر عليك ، ولأكاتبنك على نجمين ، ولو جاز على أقل من ذلك لكاتبه على الأقل ، لأن التضييق فيه أشد ، وإنما شرطنا التنجيم لأنه عقد [ ص: 189 ] إرفاق ، ومن شرط الإرفاق التنجيم ليتيسر عليهم الأداء . وقال أبو حنيفة رحمه الله : تجوز الكتابة على نجم واحد ، لأن ظاهر قوله : ( فكاتبوهم ) ليس فيه تقييد .

المسألة الرابعة : تجوز كتابة المملوك عبدا كان أو أمة ، ويشترط عند الشافعي رحمه الله أن يكون عاقلا بالغا ، فإذا كان صبيا أو مجنونا لا تصح كتابته ، لأن الله تعالى قال : ( والذين يبتغون الكتاب ) ولا يتصور الابتغاء من الصبي والمجنون . وعند أبي حنيفة رحمه الله : تجوز كتابة الصبي ويقبل عنه المولى .

المسألة الخامسة : يشترط أن يكون المولى مكلفا مطلقا ، فإن كان صبيا أو مجنونا أو محجورا عليه بالسفه لا تصح كتابته كما لا يصح بيعه ، ولأن قوله : ( فكاتبوهم ) خطاب فلا يتناول غير العاقل ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تصح كتابة الصبي بإذن الولي .

التالي السابق


الخدمات العلمية