1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة النور
  4. قوله تعالى والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا
صفحة جزء
المسألة السادسة : اختلف العلماء في أن قوله : ( فكاتبوهم ) أمر إيجاب أو أمر استحباب ؟ فقال قائلون هو أمر إيجاب ، فيجب على الرجل أن يكاتب مملوكه إذا سأله ذلك بقيمته أو أكثر إذا علم فيه خيرا ، ولو كان بدون قيمته لم يلزمه ، وهذا قول عمرو بن دينار وعطاء ، وإليه ذهب داود بن علي ومحمد بن جرير ، واحتجوا عليه بالآية والأثر . أما الآية فظاهر قوله تعالى : ( فكاتبوهم ) لأنه أمر وهو للإيجاب ، ويدل عليه أيضا سبب نزول الآية ، فإنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح ، سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه ، فنزلت الآية ، فكاتبه على مائة دينار ، ووهب له منها عشرين دينارا .

وأما الأثر فما روي أن عمر أمر أنسا أن يكاتب سيرين أبا محمد بن سيرين فأبى ، فرفع عليه الدرة وضربه وقال : ( فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ) وحلف عليه ليكاتبنه ، ولو لم يكن ذلك واجبا لكان ضربه بالدرة ظلما ، وما أنكر على عمر أحد من الصحابة فجرى ذلك مجرى الإجماع ، وقال أكثر الفقهاء إنه أمر استحباب وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري ، واحتجوا عليه بقوله عليه الصلاة والسلام " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه " وأنه لا فرق أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة ، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة وهذه طريقة المعاوضات أجمع وهاهنا سؤالان :

السؤال الأول : كيف يصح أن يبيع ماله بماله ؟ قلنا إذا ورد الشرع به فيجب أن يجوز كما إذا عتقه على مال يكتسبه فيؤديه أو يؤدي عنه صار سببا لعتقه .

السؤال الثاني : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لولا الكتابة ؟ قلنا نعم لأنه لو دفع إليه الزكاة ، ولم يكاتب لم يحل له أن يأخذها ، وإذا صار مكاتبا حل له ، وإذا دفع إلى مولاه حل له ، سواء أدى فعتق أو عجز فعاد إلى الرق ، ويستفيد أيضا أن الكتابة تبعثه على الجد والاجتهاد في الكسب ، فلولاها لم يكن ليفعل ذلك ، ويستفيد المولى الثواب لأنه إذا باعه فلا ثواب ، وإذا كاتبه ففيه ثواب ، ويستفيد أيضا الولاء لأنه لو عتق من قبل غيره لم يكن له ولاء وإذا عتق بالكتابة فالولاء له ، فورد الشرع بجواز الكتابة لما ذكرناه من الفوائد .

أما قوله تعالى : ( إن علمتم فيهم خيرا ) فذكروا في الخير وجوها :

أحدها : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن علمتم لهم حرفة ، فلا تدعوهم كلا على الناس " .

وثانيها : قال عطاء الخير المال وتلا ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا ) [ البقرة : 180 ] أي ترك مالا ، قال وبلغني ذلك عن ابن عباس .

وثالثها : عن ابن سيرين [ ص: 190 ] قال إذا صلى ، وقال النخعي وفاء وصدقا ، وقال الحسن صلاحا في الدين .

ورابعها : قال الشافعي رحمه الله : المراد بالخير الأمانة والقوة على الكسب ، لأن مقصود الكتابة قلما يحصل إلا بهما فإنه ينبغي أن يكون كسوبا يحصل المال ويكون أمينا يصرفه في نجومه ولا يضيعه ، فإذا فقد الشرطان أو أحدهما لا يستحب أن يكاتبه ، والأقرب أنه لا يجوز حمله على المال لوجهين :

الأول : أن المفهوم من كلام الناس إذا قالوا فلان فيه خير إنما يريدون به الصلاح في الدين ولو أراد المال لقال : إن علمتم لهم خيرا ، لأنه إنما يقال : لفلان مال ولا يقال فيه مال .

الثاني : أن العبد لا مال له بل المال لسيده ، فالأولى أن يحمل على ما يعود على كتابته بالتمام ، وهو الذي ذكره الشافعي -رحمه الله- وهو أن يتمكن من الكسب ويوثق به بحفظ ذلك لأن كل ذلك مما يعود على كتابته بالتمام ، ودخل فيه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الخير لأنه عليه الصلاة والسلام فسره بالكسب وهو داخل في تفسير الشافعي رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية