ثم إنه   
[ ص: 49 ] سبحانه وتعالى 
وصف السعير بصفات : 
إحداها قوله : ( 
إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا   ) ، وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : السعير مذكر ، ولكن جاء ههنا مؤنثا لأنه تعالى قال : ( 
رأتهم   ) وقال : ( 
سمعوا لها   ) وإنما جاء مؤنثا على معنى النار . 
المسألة الثانية : مذهب أصحابنا أن البنية ليست شرطا في الحياة ، فالنار على ما هي عليه يجوز أن يخلق الله الحياة والعقل والنطق فيها ، وعند 
المعتزلة  ذلك غير جائز ، وهؤلاء 
المعتزلة  ليس لهم في هذا الباب حجة إلا استقراء العادات ، ولو صدق ذلك لوجب التكذيب بانخراق العادات في حق الرسل ، فهؤلاء قولهم متناقض ، بل إنكار العادات لا يليق إلا بأصول الفلاسفة ، فعلى هذا قال أصحابنا : قول الله تعالى في صفة النار : ( 
إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا   ) يجب إجراؤه على الظاهر ؛ لأنه لا امتناع في أن تكون النار حية رائية مغتاظة على الكفار ، أما 
المعتزلة  فقد احتاجوا إلى التأويل وذكروا فيه وجوها : 
أحدها : قالوا : معنى رأتهم ظهرت لهم ، من قولهم : دورهم تتراءى وتتناظر ، وقال عليه السلام : 
إن المؤمن والكافر لا تتراءى ناراهما أي : لا تتقابلان ؛ لما يجب على المؤمن من مجانبة الكافر والمشرك ، ويقال : دور فلان متناظرة ، أي : متقابلة . 
وثانيها : أن النار لشدة اضطرامها وغليانها صارت ترى الكفار وتطلبهم وتتغيظ عليهم . 
وثالثها : قال 
الجبائي    : إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلة بتعذيب أهل النار ؛ لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار ، فهو كقوله : ( 
واسأل القرية   ) [يوسف : 82] أراد أهلها . 
المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : التغيظ عبارة عن شدة الغضب ، وذلك لا يكون مسموعا ، فكيف قال الله تعالى : ( 
سمعوا لها تغيظا وزفيرا   ) ؟ والجواب عنه من وجوه : 
أحدها : أن التغيظ وإن لم يسمع فإنه قد يسمع ما يدل عليه من الصوت ، وهو كقوله : رأيت غضب الأمير على فلان ، إذا رأى ما يدل عليه ، وكذلك يقال في المحبة فكذا ههنا ، والمعنى سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ ، وهو قول 
الزجاج    . 
وثانيها : المعنى : علموا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا ، وهذا قول 
قطرب  ، وهو كقول الشاعر : 
متقلدا سيفا ورمحا 
وثالثها : المراد تغيظ الخزنة . 
المسألة الرابعة : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير    : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا وترعد فرائصه ، حتى إن 
إبراهيم  عليه السلام يجثو على ركبتيه ويقول : نفسي نفسي .