أما قوله : ( 
سبحانك   ) فاعلم أنه سبحانه حكى جوابهم ، وفي قوله : ( 
سبحانك   ) وجوه : 
أحدها : أنه تعجب منهم فقد تعجبوا مما قيل لهم ؛ لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه . 
وثانيها : أنهم نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المقدسون المؤمنون بذلك ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده . 
وثالثها : قصدوا به 
تنزيهه عن الأنداد ، سواء كان وثنا أو نبيا أو ملكا   . 
ورابعها : قصدوا تنزيهه أن يكون مقصوده من هذا السؤال استفادة علم أو إيذاء من كان بريئا عن الجرم ، بل إنه إنما سألهم تقريعا للكفار وتوبيخا لهم . 
أما قوله : ( 
ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء   ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : القراءة المعروفة " أن نتخذ " بفتح النون وكسر الخاء ، وعن 
أبي جعفر  وابن عامر  برفع النون وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله ، قال 
الزجاج    : أخطأ من قرأ : " أن نتخذ " بضم النون ؛ لأن ( من ) إنما تدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كان مفعولا أولا ، ولا تدخل على مفعول الحال ، تقول : ما اتخذت من أحد وليا ، ولا يجوز : ما اتخذت أحدا من ولي ، قال صاحب "الكشاف" : اتخذ يتعدى إلى مفعول واحد ؛ كقولك : اتخذ وليا ، وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا ، قال الله تعالى : ( 
واتخذ الله إبراهيم خليلا   ) [النساء : 125] والقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد ، وهو " من أولياء " ، والأصل أن نتخذ أولياء فزيدت من لتأكيد معنى النفي ، والثانية من المتعدي إلى مفعولين ، فالأول ما بني له الفعل ، والثاني " من أولياء " من للتبعيض ، أي : لا نتخذ بعض أولياء ، وتنكير أولياء من حيث إنهم أولياء مخصوصون ، وهم الجن والأصنام . 
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير هذه الآية وجوها : 
أولها : وهو الأصح الأقوى ، أن المعنى : إذا كنا لا نرى أن نتخذ من دونك أولياء فكيف ندعو غيرنا إلى ذلك . 
وثانيها : ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار ، كما يوليهم الكفار ، قال تعالى : ( 
فقاتلوا أولياء الشيطان   ) [النساء : 76] يريد الكفرة ، وقال ( 
والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت   ) [البقرة : 257] عن 
أبي مسلم    . 
وثالثها : ما كان لنا أن نتخذ من دون رضاك من أولياء ، أي لما علمنا أنك لا ترضى بهذا ما فعلناه ، والحاصل أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . 
ورابعها : قالت الملائكة : إنهم عبيدك ، فلا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دون إذنك وليا ولا حبيبا ، فضلا عن أن يتخذ عبد عبدا آخر إلها لنفسه . 
وخامسها : أن على قراءة 
أبي جعفر  الإشكال زائل ، فإن قيل : هذه القراءة غير جائزة ؛ لأنه لا مدخل لهم في أن يتخذهم غيرهم أولياء ، قلنا : المراد أنا لا نصلح لذلك ، فكيف ندعوهم إلى عبادتنا . 
وسادسها : أن هذا قول الأصنام ، وأنها قالت : لا يصح منا أن نكون من العابدين ، فكيف يمكننا ادعاؤنا أنا من المعبودين . 
المسألة الثالثة : الآية تدل على أنه 
لا تجوز الولاية والعداوة إلا بإذن الله ، فكل ولاية مبنية على ميل النفس ونصيب الطبع فذاك على خلاف الشرع .