1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة الفرقان
  4. قوله تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
صفحة جزء
الصفة الخامسة : قوله : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) قرئ : " يقتروا " بكسر التاء وضمها ، ويقتروا بضم الياء وتخفيف القاف وكسر التاء ، وأيضا بضم الياء وفتح القاف وكسر التاء وتشديدها ، وكلها لغات . والقتر والإقتار والتقتير التضييق الذي هو نقيض الإسراف ، والإسراف مجاوزة الحد في النفقة . وذكر المفسرون في الإسراف والتقتير وجوها :

أحدها : وهو الأقوى ، أنه تعالى وصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير ، وبمثله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [ الإسراء : 29] وعن وهيب بن الورد قال لعالم : ما البناء الذي لا سرف فيه ؟ قال : ما سترك عن الشمس وأكنك من المطر . فقال له : فما الطعام الذي لا سرف فيه ؟ قال : ما سد الجوعة . فقال له في اللباس ، قال : ما ستر عورتك ووقاك من البرد . وروي أن رجلا صنع طعاما في إملاك ، فأرسل إلى الرسول عليه السلام ، فقال : حق فأجيبوا ، ثم صنع الثانية فأرسل إليه ، فقال : حق فمن شاء فليجب ، وإلا فليقعد ، ثم صنع الثالثة فأرسل إليه ، فقال : رياء ولا خير فيه .

وثانيها : وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ، أن الإسراف الإنفاق في معصية الله تعالى ، والإقتار منع حق الله تعالى . قال مجاهد : لو أنفق رجل مثل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله تعالى لم يكن سرفا ، ولو أنفق صاعا في معصية الله تعالى كان سرفا . وقال الحسن : لم ينفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عما ينبغي ، وذلك قد يكون في الإمساك عن حق الله ، وهو أقبح التقتير ، وقد يكون عما لا يجب ، ولكن يكون مندوبا ، مثل الرجل الغني الكثير المال إذا منع الفقراء من أقاربه .

وثالثها : المراد بالسرف مجاوزة الحد في التنعم والتوسع في الدنيا ، وإن كان من حلال ؛ فإن ذلك مكروه ؛ لأنه يؤدي إلى الخيلاء ، والإقتار هو التضييق ، فالأكل فوق الشبع بحيث يمنع النفس عن العبادة سرف ، وإن أكل بقدر الحاجة فذاك إقتار ، وهذه الصفة صفة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة ، ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعهم ويعينهم على عبادة ربهم ، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويصونهم من الحر والبرد . وههنا مسألتان :

المسألة الأولى : " القوام " قال ثعلب : القوام بالفتح العدل والاستقامة ، وبالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر ، قال صاحب "الكشاف" : القوام : العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ، ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء . وقرئ : " قواما " بالكسر ، وهو ما يقام به الشيء ، يقال : أنت قوامنا ، يعني ما يقام به الحاجة لا يفضل عنه ولا ينقص .

المسألة الثانية : المنصوبان أعني " بين ذلك قواما " جائز أن يكونا خبرين معا ، وأن يجعل بين ذلك لغوا وقواما مستقرا ، وأن يكون الظرف خبرا وقواما حالا مؤكدة ، قال الفراء : وإن شئت جعلت "بين ذلك " اسم [ ص: 96 ] كان ، كما تقول : كان دون هذا كافيا ، تريد أقل من ذلك ، فيكون معنى " بين ذلك " ، أي : كان الوسط من ذلك قواما ، أي : عدلا ، وهذا التأويل ضعيف ؛ لأن القوام هو الوسط ، فيصير التأويل : وكان الوسط وسطا ، وهذا لغو .

التالي السابق


الخدمات العلمية