المسألة الثانية : يحتمل أن يقال : إنه تعالى خلق فيه علما ضروريا بأن ذلك الكلام كلام الله ، 
والمعتزلة  لا يرضون بذلك ، قالوا : لأنه لو علم بالضرورة أن ذلك الكلام كلام الله لوجب أن يعلم بالضرورة وجود الله تعالى   
[ ص: 210 ] لأنه يستحيل أن تكون الصفة معلومة بالضرورة ، والذات معلومة بالنظر ، ولو علم 
موسى  أنه الله تعالى بالضرورة لزال التكليف . ويحتمل أن يقال : إنه تعالى لما أسمعه الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت عرف أن مثل ذلك الكلام لا يمكن أن يكون كلام الخلق ، ويحتمل أن يقال : إن ظهور الكلام من الشجرة كظهور التسبيح من الحصى في أنه يعلم أن مثل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى . ويحتمل أن يكون المعجز هو أنه رأى النار في الشجرة الرطبة ، فعلم أنه 
لا يقدر على الجمع بين النار وبين خضرة الشجرة إلا الله تعالى   . ويحتمل أن يصح ما يروى أن إبليس لما قال له : كيف عرفت أنه نداء الله تعالى ؟ قال : لأني سمعته بجميع أجزائي ، فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم أن ذلك مما لا يقدر عليه أحد سوى الله تعالى ، وهذا إنما يصح على مذهبنا حيث قلنا : البينة ليست شرطا .