1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون
صفحة جزء
( المسألة الثالثة ) : في النعم المخصوصة ببني إسرائيل . قال بعض العارفين : عبيد النعم كثيرون وعبيد المنعم قليلون ، فالله تعالى ذكر بني إسرائيل بنعمه عليهم ولما آل الأمر إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم بالمنعم فقال : ( فاذكروني أذكركم ) [ البقرة : 152 ] فدل ذلك على فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم .

واعلم أن نعم الله تعالى على بني إسرائيل كثيرة ( أ ) استنقذهم مما كانوا فيه من البلاء من فرعون وقومه وأبدلهم من ذلك بتمكينهم في الأرض وتخليصهم من العبودية كما قال : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) [ القصص : 5 ] . ( ب ) جعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط فأهلك أعداءهم وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم كما قال : ( كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 59 ] ( ج ) أنزل عليهم الكتب العظيمة التي ما أنزلها على أمة سواهم كما قال : ( وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] . ( د ) روى هشام عن ابن عباس أنه قال : من نعمة الله تعالى على بني إسرائيل أن نجاهم من آل فرعون وظلل عليهم في التيه الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه وأعطاهم الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاءوا من الماء متى أرادوا ، فإذا استغنوا عن الماء رفعوه فاحتبس الماء عنهم وأعطاهم عمودا من النور ليضيء لهم بالليل ، وكانت رءوسهم لا تتشعث وثيابهم لا تبلى .

واعلم أنه سبحانه وتعالى إنما ذكرهم بهذه النعم لوجوه :

أحدها : أن في جملة النعم ما يشهد بصدق محمد صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل والزبور .

وثانيها : أن كثرة النعم توجب عظم المعصية فذكرهم تلك النعم لكي يحذروا مخالفة ما دعوا إليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن .

وثالثها : أن تذكير النعم الكثيرة يوجب الحياء عن إظهار المخالفة .

ورابعها : أن تذكير النعم الكثيرة يفيد أن المنعم خصهم من بين سائر الناس بها ، ومن خص أحدا بنعم كثيرة فالظاهر أنه لا يزيلها عنهم لما قيل : إتمام المعروف خير من ابتدائه فكأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الآتية ، وذلك الطمع مانع من إظهار المخالفة والمخاصمة . فإن قيل : هذه النعم ما كانت على المخاطبين بل كانت على آبائهم فكيف تكون نعما عليهم وسببا لعظم معصيتهم ؟ والجواب من وجوه :

أحدها : لولا هذه النعم على آبائهم لما بقوا فما كان يحصل هذا النسل فصارت النعم على الآباء كأنها نعم على الأبناء .

[ ص: 33 ] .

وثانيها : أن الانتساب إلى الآباء وقد خصهم الله تعالى بنعم الدين والدنيا نعمة عظيمة في حق الأولاد .

وثالثها : الأولاد متى سمعوا أن الله تعالى خص آباءهم بهذه النعم لمكان طاعتهم وإعراضهم عن الكفر والجحود رغب الولد في هذه الطريقة ؛ لأن الولد مجبول على التشبه بالأب في أفعال الخير ، فيصير هذا التذكير داعيا إلى الاشتغال بالخيرات والإعراض عن الشرور .

التالي السابق


الخدمات العلمية