( المسألة الثالثة ) : في النعم المخصوصة 
ببني إسرائيل    . قال بعض العارفين : عبيد النعم كثيرون وعبيد المنعم قليلون ، فالله تعالى ذكر 
بني إسرائيل  بنعمه عليهم ولما آل الأمر إلى أمة 
محمد  صلى الله عليه وسلم ذكرهم بالمنعم فقال : ( 
فاذكروني أذكركم   ) [ البقرة : 152 ] فدل ذلك على 
فضل أمة محمد  صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم   . 
واعلم أن 
نعم الله تعالى على بني إسرائيل  كثيرة ( أ ) استنقذهم مما كانوا فيه من البلاء من فرعون وقومه وأبدلهم من ذلك بتمكينهم في الأرض وتخليصهم من العبودية كما قال : ( 
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون   ) [ القصص : 5 ] . ( ب ) جعلهم أنبياء وملوكا بعد أن كانوا عبيدا للقبط فأهلك أعداءهم وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم كما قال : ( 
كذلك وأورثناها بني إسرائيل   ) [ الشعراء : 59 ] ( ج ) أنزل عليهم الكتب العظيمة التي ما أنزلها على أمة سواهم كما قال : ( 
وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين   ) [ المائدة : 20 ] . ( د ) روى 
هشام  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  أنه قال : من نعمة الله تعالى على 
بني إسرائيل  أن نجاهم من آل فرعون وظلل عليهم في التيه الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى في التيه وأعطاهم الحجر الذي كان كرأس الرجل يسقيهم ما شاءوا من الماء متى أرادوا ، فإذا استغنوا عن الماء رفعوه فاحتبس الماء عنهم وأعطاهم عمودا من النور ليضيء لهم بالليل ، وكانت رءوسهم لا تتشعث وثيابهم لا تبلى   . 
واعلم أنه سبحانه وتعالى إنما ذكرهم بهذه النعم لوجوه : 
أحدها : أن في جملة النعم 
ما يشهد بصدق محمد  صلى الله عليه وسلم وهو التوراة والإنجيل والزبور . 
وثانيها : أن كثرة النعم توجب عظم المعصية فذكرهم تلك النعم لكي يحذروا مخالفة ما دعوا إليه من الإيمان 
بمحمد  صلى الله عليه وسلم وبالقرآن . 
وثالثها : أن تذكير النعم الكثيرة يوجب الحياء عن إظهار المخالفة . 
ورابعها : أن تذكير النعم الكثيرة يفيد أن المنعم خصهم من بين سائر الناس بها ، ومن خص أحدا بنعم كثيرة فالظاهر أنه لا يزيلها عنهم لما قيل : إتمام المعروف خير من ابتدائه فكأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الآتية ، وذلك الطمع مانع من إظهار المخالفة والمخاصمة . فإن قيل : هذه النعم ما كانت على المخاطبين بل كانت على آبائهم فكيف تكون نعما عليهم وسببا لعظم معصيتهم ؟ والجواب من وجوه : 
أحدها : لولا هذه النعم على آبائهم لما بقوا فما كان يحصل هذا النسل فصارت النعم على الآباء كأنها نعم على الأبناء .  
[ ص: 33 ]   . 
وثانيها : أن الانتساب إلى الآباء وقد خصهم الله تعالى بنعم الدين والدنيا نعمة عظيمة في حق الأولاد . 
وثالثها : الأولاد متى سمعوا أن الله تعالى خص آباءهم بهذه النعم لمكان طاعتهم وإعراضهم عن الكفر والجحود رغب الولد في هذه الطريقة ؛ لأن الولد مجبول على التشبه بالأب في أفعال الخير ، فيصير هذا التذكير داعيا إلى الاشتغال بالخيرات والإعراض عن الشرور .