المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( 
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة   ) خطاب مع 
اليهود  ، وذلك يدل على أن 
الكفار مخاطبون بفروع الشرائع   . أما قوله تعالى : ( 
واركعوا مع الراكعين   ) ففيه وجوه : 
أحدها : أن 
اليهود  لا ركوع في صلاتهم فخص الله الركوع بالذكر تحريضا لهم على الإتيان بصلاة المسلمين . 
وثانيها : أن المراد صلوا مع المصلين ، وعلى هذا يزول التكرار ؛ لأن في الأول أمر تعالى بإتقانها ، وأمر في الثاني بفعلها في الجماعة . 
وثالثها : أن يكون المراد من الأمر بالركوع هو الأمر بالخضوع ؛ لأن الركوع والخضوع في اللغة سواء ، فيكون نهيا عن الاستكبار المذموم وأمرا بالتذلل كما قال للمؤمنين : ( 
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين   ) [ المائدة : 54 ] وكقوله تأديبا لرسوله عليه السلام : ( 
واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين   ) [ الشعراء : 215 ] وكمدحه له بقوله : ( 
فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك   ) [ آل عمران : 159 ] وهكذا في قوله تعالى :   
[ ص: 43 ]   ( 
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون   ) [ المائدة : 55 ] فكأنه تعالى لما أمرهم بالصلاة والزكاة أمرهم بعد ذلك بالانقياد والخضوع وترك التمرد . وحكى 
الأصم  عن بعضهم أنه إنما أمر الله تعالى 
بني إسرائيل  بالزكاة ؛ لأنهم كانوا لا يؤتون الزكاة وهو المراد بقوله تعالى : ( 
وأكلهم السحت   ) [ المائدة : 62 ] وبقوله : " وأكلهم الربا " ( 
وأكلهم أموال الناس بالباطل   ) [ النساء : 166 ] فأظهر الله تعالى في هذا الموضع ما كان مكتوما ليحذروا أن يفضحهم في سائر أسرارهم ومعاصيهم ، فيصير هذا كالإخبار عن الغيب الذي هو أحد دلائل نبوة 
محمد  صلى الله عليه وسلم .