( 
منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون   ) 
ثم قال تعالى : ( 
منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون   ) 
لما قال حنيفا أي مائلا عن غيره قال : ( 
منيبين إليه   ) أي مقبلين عليه ، 
والخطاب في قوله : ( فأقم وجهك   ) مع النبي ، والمراد جميع المؤمنين ، وقوله : ( 
واتقوه   ) يعني إذا أقبلتم عليه وتركتم الدنيا فلا تأمنوا   
[ ص: 106 ] فتتركوا عبادته بل خافوه وداوموا على العبادة وأقيموا الصلاة أي : كونوا عابدين عند حصول القربة كما كنتم قبل ذلك ، ثم إنه تعالى قال : ( 
ولا تكونوا من المشركين   ) قال المفسرون يعني ولا تشركوا بعد الإيمان أي : ولا تقصدوا بذلك غير الله ، وهاهنا وجه آخر وهو أن الله بقوله : ( 
منيبين   ) أثبت التوحيد الذي هو مخرج عن الإشراك الظاهر وبقوله : ( 
ولا تكونوا من المشركين   ) أراد إخراج العبد عن 
الشرك الخفي ، أي 
لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله ، ولا تطلبوا به إلا رضاء الله فإن الدنيا والآخرة تحصيل وإن لم تطلبوها إذا حصل رضا الله ، وعلى هذا فقوله : ( 
من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا   ) يعني لم يجتمعوا على الإسلام ، وذهب كل أحد إلى مذهب ، ويحتمل أن يقال وكانوا شيعا يعني بعضهم عبد الله للدنيا ، وبعضهم للجنة ، وبعضهم للخلاص من النار ، وكل واحد بما في نظره فرح ، وأما المخلص فلا يفرح بما يكون لديه ، وإنما يكون فرحه بأن يحصل عند الله ويقف بين يديه ؛ وذلك لأن كل ما لدينا نافد لقوله تعالى : ( 
ما عندكم ينفد وما عند الله باق   ) [ النحل : 96 ] فلا مطلوب لكم فيما لديكم حتى تفرحوا به ، وإنما المطلوب ما لدى الله ، وبه الفرح كما قال تعالى : ( 
بل أحياء عند ربهم يرزقون   ) [ آل عمران : 169 ] جعلهم فرحين بكونهم عند ربهم وبكون ما أوتوا من فضله الذي لا نفاد له ، ولذلك قال تعالى : ( 
قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا   ) [ يونس : 58 ] لا بما عندهم فإن كل ما عند العبد فهو نافد ، أما في الدنيا فظاهر ، وأما في الآخرة فلأن ما وصل إلى العبد من الالتذاذ بالمأكول والمشروب فهو يزول ، ولكن الله يجدد له مثله إلى الأبد من فضله الذي لا نفاد له ، فالذي لا نفاد له هو فضله .