( 
فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون   ) 
ثم قال تعالى : ( 
فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون   ) 
وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما بين أن 
العبادة لا ينبغي أن تكون مقصورة على حالة الشدة بقوله : ( 
وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم   ) [ الروم : 33 ] ولا أن تكون مقصورة على حالة أخذ شيء من الدنيا كما هو عادة المدوكر المتسلس يعبد الله إذا كان في الخوانق والرباطات للرغيف والزبدية ، وإذا خلا بنفسه لا يذكر الله ، بقوله : ( 
وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها   ) وبين أنه ينبغي أن يكون في حالة بسط الرزق وقدره عليه ، نظره على الله الخالق الرازق ليحصل الإرشاد إلى تعظيم الله . والإيمان قسمان : تعظيم لأمر الله ، وشفقة على خلق الله ، فقال بعد ذلك فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ، وفيه وجه آخر هو أن الله تعالى لما بين أن الله يبسط الرزق ويقدر ، 
فلا ينبغي أن يتوقف الإنسان في الإحسان ، فإن 
الله إذا بسط الرزق لا ينقص بالإنفاق ، وإذا قدر لا يزداد بالإمساك ، وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : في تخصيص الأقسام الثلاثة بالذكر دون غيرهم ، مع أن الله ذكر الأصناف الثمانية في الصدقات فنقول : أراد هاهنا بيان من يجب الإحسان إليه على كل من له مال سواء كان زكويا أو لم يكن ، وسواء كان بعد الحول أو قبله ; لأن المقصود هاهنا الشفقة العامة ، وهؤلاء الثلاثة يجب الإحسان إليهم وإن لم يكن للمحسن مال زائد ، أما القريب فتجب نفقته وإن كان لم تجب عليه زكاة كعقار أو مال لم يحل عليه الحول . 
والمسكين كذلك فإنه من لا شيء له إذا بقي في ورطة الحاجة حتى بلغ الشدة يجب على من له مقدرة دفع حاجته ، وإن لم يكن عليه زكاة ، وكذلك من انقطع في مفازة ومع آخر دابة يمكنه بها إيصاله إلى مأمن يلزمه ذلك ، وإن لم تكن عليه زكاة ، والفقير داخل في المسكين ; لأن من أوصى للمساكين شيئا يصرف إلى الفقراء أيضا ، وإذا نظرت إلى الباقين من الأصناف رأيتهم لا يجب صرف المال إليهم إلا على الذين وجبت الزكاة عليهم ، واعتبر ذلك في العامل والمكاتب والمؤلفة والمديون ، ثم اعلم أن على مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  رحمه الله حيث قال : المسكين من له شيء ما ، فنقول : وإن كان الأمر كذلك لكن لا نزاع في أن 
إطلاق المسكين على من لا شيء له جائز فيكون الإطلاق هاهنا بذلك الوجه ، والفقير يدخل في ذلك بالطريق الأولى . 
المسألة الثانية : في تقدم البعض على البعض : فنقول لما كان دفع حاجة القريب واجبا سواء كان في   
[ ص: 110 ] شدة ومخمصة ، أو لم يكن كان مقدما على من لا يجب دفع حاجته من غير مال الزكاة إلا إذا كان في شدة ، 
ولما كان المسكين حاجته ليست مختصة بموضع كان مقدما على من حاجته مختصة بموضع دون موضع   . 
المسألة الثالثة : ذكر الأقارب في جميع المواضع كذا اللفظ وهو ذوو القربى ، ولم يذكر المسكين بلفظ ذي المسكنة ، وذلك لأن القرابة لا تتجدد فهي شيء ثابت ، وذو كذا لا يقال إلا في الثابت ، فإن من صدر منه رأي صائب مرة أو حصل له جاه يوما واحدا أو وجد منه فضل في وقت يقال ذو رأي وذو جاه وذو فضل ، وإذا دام ذلك له أو وجد منه ذلك كثيرا يقال له ذو الرأي وذو الفضل ، فقال ( 
ذا القربى   ) إشارة إلى أن هذا حق متأكد ثابت ، وأما المسكنة فتطرأ وتزول ؛ ولهذا المعنى قال : ( 
مسكينا ذا متربة   ) [ البلد : 16 ] فإن المسكين يدوم له كونه ذا متربة ما دامت مسكنته ، أو يكون كذلك في أكثر الأمر . 
المسألة الرابعة : قال : ( 
فآت ذا القربى حقه   ) ثم عطف المسكين وابن السبيل ولم يقل فآت ذا القربى والمسكين وابن السبيل حقهم ; لأن العبارة الثانية لكون صدور الكلام أولا للتشريك والأولى لكون التشريك واردا على الكلام ، كأنه يقول أعط ذا القربى حقه ثم يذكر المسكين وابن السبيل بالتبعية ؛ ولهذا المعنى إذا قال الملك خل فلانا يدخل ، وفلانا أيضا ، يكون في التعظيم فوق ما إذا قال خل فلانا وفلانا يدخلا ، وإلى هذا أشار النبي - عليه الصلاة والسلام - بقوله : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013565بئس خطيب القوم أنت   " حيث قال الرجل 
من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ، ومن عصاهما فقد غوى ، ولم يقل ومن عصى الله ورسوله .