صفحة جزء
قوله سبحانه وتعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون )

المسألة الأولى : اختلفوا في المخاطبين بقوله سبحانه وتعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) فقال قوم : هم المؤمنون بالرسول ، قال : لأن من ينكر الصلاة أصلا والصبر على دين محمد صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقال له : استعن بالصبر والصلاة ، فلا جرم وجب صرفه إلى من صدق بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يمتنع أن يكون الخطاب أولا في بني إسرائيل ثم يقع بعد ذلك خطابا للمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والأقرب أن المخاطبين هم بنو إسرائيل ؛ لأن صرف الخطاب إلى غيرهم يوجب تفكيك النظم . فإن قيل : كيف يؤمرون بالصبر والصلاة مع كونهم منكرين لهما ؟ قلنا : لا نسلم كونهم منكرين لهما ؛ وذلك لأن كل أحد يعلم أن الصبر على ما يجب الصبر عليه حسن ، وأن الصلاة التي هي تواضع للخالق والاشتغال بذكر الله تعالى يسلي عن محن الدنيا وآفاتها ، وإنما الاختلاف في الكيفية فإن صلاة اليهود واقعة على كيفية ، وصلاة المسلمين على كيفية أخرى . وإذا كان متعلق الأمر هو الماهية التي هي القدر المشترك زال الإشكال المذكور ، وعلى هذا نقول : إنه تعالى لما أمرهم بالإيمان وبترك الإضلال وبالتزام الشرائع وهي الصلاة والزكاة ، وكان ذلك شاقا عليهم لما فيه من ترك الرياسات والإعراض عن المال والجاه لا جرم عالج الله تعالى هذا المرض فقال : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية