صفحة جزء
[ ص: 122 ] [ سورة لقمان ]

( مكية كلها إلا آيتين نزلتا بالمدينة وهما ( ولو أنما في الأرض من شجرة ) الآيتين وإلا آية نزلت بالمدينة وهي ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) ; لأن الصلاة والزكاة نزلتا بالمدينة ، وهي ثلاث وقيل أربع وثلاثون آية )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) .

( بسم الله الرحمن الرحيم )

( الم تلك آيات الكتاب الحكيم ) .

وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر ما قبلها هو أن الله تعالى لما قال : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ) [ الروم : 58 ] إشارة إلى كونه معجزة وقال : ( ولئن جئتهم بآية ) [ الروم : 58 ] إشارة إلى أنهم يكفرون بالآيات ، بين ذلك بقوله : ( الم تلك آيات الكتاب الحكيم ) ولم يؤمنوا بها ، وإلى هذا أشار بعد هذا بقوله : ( وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا ) [ الروم : 58 ] .

وقوله : ( هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ) .

فقوله : ( هدى ) أي بيانا وفرقانا ، وأما التفسير فمثل تفسير قوله تعالى : ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى ) [ البقرة : 1 - 2 ] وكما قيل هناك : إن المعنى بذلك هذا ، كذلك قيل بأن المراد بتلك هذه ، ويمكن أن يقال كما قلنا هناك إن تلك إشارة إلى الغائب معناها : آيات القرآن آيات الكتاب الحكيم ، وعند إنزال هذه الآيات التي نزلت مع ( الم تلك آيات الكتاب الحكيم ) لم تكن جميع الآيات نزلت ، فقال تلك إشارة إلى الكل ، أي آيات القرآن تلك آيات ، وفيه مسائل :

[ ص: 123 ] المسألة الأولى : قال في سورة البقرة ( ذلك الكتاب ) [ البقرة : 1 ] ولم يقل : الحكيم ، وهاهنا قال ( الحكيم ) فلما زاد ذكر وصف الكتاب زاد ذكر أمر في أحواله فقال : ( هدى ورحمة ) وقال هناك : ( هدى للمتقين ) فقوله : ( هدى ) في مقابلة قوله : ( الكتاب ) وقوله : ( ورحمة ) في مقابلة قوله : ( الحكيم ) ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذي الحكمة كقوله تعالى : ( في عيشة راضية ) [ الحاقة : 21 ] أي ذات رضا .

المسألة الثانية : قال هناك : ( للمتقين ) وقال هاهنا : ( للمحسنين ) لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئا آخر قال : ( للمتقين ) أي يهتدي به من يتقي الشرك والعناد والتعصب ، وينظر فيه من غير عناد ، ولما زاد هاهنا رحمة قال : ( للمحسنين ) أي المتقين الشرك والعناد الآتين بكلمة الإحسان ، فالمحسن هو الآتي بالإيمان ، والمتقي هو التارك للكفر ، كما قال تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ النحل : 128 ] ومن جانب الكفر كان متقيا وله الجنة ، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسنا وله الزيادة لقوله تعالى : ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) [ يونس : 26 ] ولأنه لما ذكر أنه رحمة قال : ( للمحسنين ) لأن رحمة الله قريب من المحسنين .

المسألة الثالثة : قال هناك : ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ) [ البقرة : 3 ] وقال هاهنا ( الذين يقيمون الصلاة ) ولم يقل يؤمنون لما بينا أن المتقي هو التارك للكفر ، ويلزمه أن يكون مؤمنا ، والمحسن هو الآتي بحق الإيمان ، ويلزمه أن لا يكون كافرا ، فلما كان المتقي دالا على المؤمن في الالتزام صرح بالإيمان هناك تبيينا ، ولما كان المحسن دالا على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان ، وقوله تعالى : ( الذين يقيمون الصلاة ) قد ذكرنا ما في الصلاة وإقامتها مرارا ، وما في الزكاة والقيام بها ، وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد ، فإنها عبادة صورة وحقيقة ، والله تعالى تجب له العبادة ولا تجوز عليه العبادة ، وترك التشبه لازم على العبد أيضا في أمور ، فلا يجلس عند جلوسه ولا يتكئ عند اتكائه ، والزكاة تشبه بالسيد ، فإنها دفع حاجة الغير ، والله دافع الحاجات ، والتشبه لازم على العبد أيضا في أمور ، كما أن عبد العالم لا يتلبس بلباس الأجناد ، وعبد الجندي لا يتلبس بلباس الزهاد ، وبهما تتم العبودية .

التالي السابق


الخدمات العلمية