1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة فاطر
  4. قوله تعالى إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية
صفحة جزء
( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق )

ثم قال تعالى : ( إن الذين يتلون كتاب الله ) .

لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه . وقوله : ( يتلون كتاب الله ) إشارة إلى الذكر .

وقوله تعالى : ( وأقاموا الصلاة ) إشارة إلى العمل البدني .

وقوله : ( وأنفقوا مما رزقناهم ) إشارة إلى العمل المالي ، وفي الآيتين حكمة بالغة ، فقوله : إنما يخشى الله إشارة إلى عمل القلب ، وقوله : ( إن الذين يتلون ) إشارة إلى عمل اللسان . وقوله : ( وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم ) إشارة إلى عمل الجوارح ، ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقة بجانب تعظيم الله والشفقة على خلقه ، لأنا بينا أن من يعظم ملكا إذا رأى عبدا من عباده في حاجة يلزمه قضاء حاجته ، وإن تهاون فيه يخل بالتعظيم ، وإلى هذا أشار بقوله : عبدي مرضت فما عدتني ، فيقول العبد : كيف تمرض وأنت رب [ ص: 21 ] العالمين ، فيقول الله : مرض عبدي فلان وما زرته ، ولو زرته لوجدتني عنده ، يعني : التعظيم متعلق بالشفقة ، فحيث لا شفقة على خلق الله ، لا تعظيم لجانب الله .

وقوله تعالى : ( سرا وعلانية ) حث على الإنفاق كيفما يتهيأ ، فإن تهيأ سرا فذاك ونعم ، وإلا فعلانية ، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء ، فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه : إنه مراء عين الرياء ، ويمكن أن يكون المراد بقوله : ( سرا ) أي صدقة ( وعلانية ) أي زكاة ، فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب .

وقوله تعالى : ( يرجون تجارة لن تبور ) إشارة إلى الإخلاص ، أي ينفقون لا ليقال إنه كريم ولا لشيء من الأشياء غير وجه الله ، فإن غير الله بائر ، والتاجر فيه تجارته بائرة .

وقوله تعالى : ( ليوفيهم أجورهم ) أي ما يتوقعونه ولو كان أمرا بالغ الغاية ( ويزيدهم من فضله ) أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل ، ويحتمل أن يكون يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة ( إنه غفور ) عند إعطاء الأجور ( شكور ) عند إعطاء الزيادة .

ثم قال تعالى : ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ) .

لما بين الأصل الأول وهو وجود الله الواحد بأنواع الدلائل من قوله : ( والله الذي أرسل الرياح ) وقوله : ( والله خلقكم ) وقوله : ( ألم تر أن الله أنزل ) ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة ، فقال : ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ) وأيضا كأنه قد ذكر أن الذين يتلون كتاب الله يوفيهم الله ، فقال : ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ) تقريرا لما بين من الأجر والثواب في تلاوة كتاب الله ، فإنه حق وصدق ، فتاليه محق ومحقق ، وفي تفسيرها مسائل :

المسألة الأولى : قوله : ( من الكتاب ) يحتمل أن يكون لابتداء الغاية ، كما يقال : أرسل إلي كتاب من الأمير أو الوالي ، وعلى هذا فالكتاب يمكن أن يكون المراد منه اللوح المحفوظ يعني الذي أوحينا من اللوح المحفوظ إليك حق ، ويمكن أن يكون المراد هو القرآن يعني الإرشاد والتبيين الذي أوحينا إليك من القرآن ، ويحتمل أن يكون للبيان ، كما يقال : أرسل إلى فلان من الثياب والقماش جملة .

المسألة الثانية : قوله : ( هو الحق ) آكد من قول القائل الذي أوحينا إليك حق من وجهين :

أحدهما : إن تعريف الخبر يدل على أن الأمر في غاية الظهور ؛ لأن الخبر في الأكثر يكون نكرة ، لأن الإخبار في الغالب يكون إعلاما بثبوت أمر لا معرفة للسامع به لأمر يعرفه السامع ، كقولنا : زيد قام ، فإن السامع ينبغي أن يكون عارفا بزيد ، ولا يعلم قيامه فيخبر به ، فإذا كان الخبر أيضا معلوما ، فيكون الإخبار للتنبيه ، فيعرفان باللام كقولنا : زيد العالم في هذه المدينة إذا كان علمه مشهورا .

التالي السابق


الخدمات العلمية