( 
وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم   ) 
ثم قال تعالى : ( 
وخلقنا لهم من مثله ما يركبون   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : من حيث اللغة والمعنى ، أما اللغة فقوله لهم يحتمل أن يكون عائدا إلى الذرية ، أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى العباد الذين عاد إليهم قوله : ( 
وآية لهم   ) وهو الحق ؛ لأن الظاهر عود الضمائر إلى شيء واحد . 
المسألة الثانية : ( من ) يحتمل وجهين : 
أحدهما : أن يكون صلة تقديره : وخلقنا لهم مثله ، وهذا على رأي 
الأخفش  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه  يقول : من لا يكون صلة إلا عند النفي ، تقول : ما جاءني من أحد ، كما في قوله تعالى : ( 
وما مسنا من لغوب   ) ( ق : 38 ) . 
وثانيهما : هي مبينة كما في قوله تعالى : ( 
يغفر لكم من ذنوبكم   ) ( نوح : 4 ) كأنه لما قال : ( 
خلقنا لهم   ) ( يس : 42 ) والمخلوق كان أشياء قال من مثل الفلك للبيان . 
المسألة الثالثة : الضمير في ( 
مثله   ) على قول الأكثرين عائد إلى الفلك ، فيكون هذا كقوله تعالى : ( 
وآخر من شكله أزواج   ) ( ص : 58 ) وعلى هذا ، فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم ، ويؤيد هذا هو أنه تعالى قال : ( 
وإن نشأ نغرقهم   ) ولو كان المراد الإبل على ما قاله بعض المفسرين ، لكان قوله : ( 
وخلقنا لهم من مثله ما يركبون   ) فاصلا بين متصلين ، ويحتمل أن يقال : الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور تقديره أن يقال : وخلقنا لهم من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله : ( 
خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض   )   
[ ص: 72 ] وهذا كما قالوا في قوله تعالى : ( 
ليأكلوا من ثمره   ) إن الهاء عائد إلى ما ذكرنا ، أي من ثمر ما ذكرنا ، وعلى هذا فقوله ( 
خلقنا لهم   ) فيه لطيفة ، وهي أن ما من أحد إلا وله ركوب مركوب من الدواب ، وليس كل أحد يركب الفلك ، فقال في الفلك : حملنا ذريتهم وإن كنا ما حملناهم ، وأما الخلق فلهم عام وما يركبون فيه وجهان : 
أحدهما : هو الفلك الذي مثل فلك 
نوح    . 
ثانيهما : هو الإبل التي هي سفن البر ، فإن قيل : إذا كان المراد سفينة 
نوح  ، فما وجه مناسبة الكلام ؟ نقول : 
ذكرهم بحال قوم نوح  ، وأن المكذبين هلكوا والمؤمنين فازوا ، فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا . 
ثم قال تعالى : ( 
وإن نشأ نغرقهم   ) إشارة إلى فائدتين : 
إحداهما : إن في حال النعمة ينبغي أن لا يأمنوا عذاب الله . 
وثانيتهما : هو أن ذلك جواب سؤال مقدر ، وهو أن الطبيعي يقول : السفينة تحمل بمقتضى الطبيعة والمجوف لا يرسب ، فقال : ليس كذلك ، بل لو شاء الله أغرقهم ، وليس ذلك بمقتضى الطبع ، ولو صح كلامه الفاسد لكان لقائل أن يقول : ألست توافق أن من السفن ما ينقلب وينكسر ، ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب ، وكل ذلك بمشيئة الله ، فإن شاء الله إغراقهم أغرقهم من غير شيء من هذه الأسباب ، كما هو مذهب أهل السنة ، أو بشيء من تلك الأسباب كما تسلم أنت .