صفحة جزء
( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) .

ثم قال تعالى : ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) .

لما تقررت الوحدانية والإعادة وأنكروها وقالوا بأن غير الله آلهة ، قال تعالى ، وتنزه عن الشريك : ( الذي بيده ملكوت كل شيء ) وكل شيء ملكه فكيف يكون المملوك للمالك شريكا ، وقالوا : بأن الإعادة لا تكون ، فقال : ( وإليه ترجعون ) ردا عليهم في الأمرين ، وقد ذكرنا ما يتعلق بالنحو في قوله : سبحان ، أي سبحوا تسبيح الذي أو سبح من في السماوات والأرض تسبيح الذي ( فسبحان ) علم للتسبيح ، والتسبيح هو التنزيه ، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت ، وهو فعلول أو فعلوت فيه كلام ، ومن قال هو فعلول [ ص: 99 ] جعلوه ملحقا به .

ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس وقال الغزالي فيه : إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر ، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه ، فجعله قلب القرآن لذلك ، واستحسنه فخر الدين الرازي -رحمه الله تعالى - سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام .

ويمكن أن يقال بأن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة بأقوى البراهين فابتداؤها بيان الرسالة بقوله : ( إنك لمن المرسلين ) [ يس : 3 ] ودليلها ما قدمه عليها بقوله : ( والقرآن الحكيم ) [ يس : 2 ] وما أخره عنها بقوله : ( لتنذر قوما ) وانتهاؤها بيان الوحدانية والحشر بقوله : ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ) إشارة إلى التوحيد ، وقوله : ( وإليه ترجعون ) إشارة إلى الحشر ، وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائله وثوابه ، ومن حصل من القرآن هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه وهو التصديق الذي بالجنان .

وأما وظيفة اللسان التي هي القول ، فكما في قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ) [ الأحزاب : 70 ] وفي قوله تعالى : ( ومن أحسن قولا ) [ فصلت : 33 ] وقوله تعالى : ( بالقول الثابت ) [ إبراهيم : 27 ] ( وألزمهم كلمة التقوى ) [ الفتح : 26 ] و ( إليه يصعد الكلم الطيب ) [ فاطر : 10 ] إلى غير هذه مما في غير هذه السورة ، ووظيفة الأركان وهو العمل ، كما في قوله تعالى : ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) [ الحج : 78 ] وقوله تعالى : ( ولا تقربوا الزنا ) [ الإسراء : 32 ] . . ( ولا تقتلوا النفس ) [ الأنعام : 151 ] وقوله : ( واعملوا صالحا ) [ المؤمنون : 51 ] وأيضا مما في غير هذه السورة ، فلما لم يكن فيها إلا أعمال القلب لا غير سماها قلبا ، ولهذا ورد في الأخبار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ندب إلى تلقين يس لمن دنا منه الموت ، وقراءتها عند رأسه ؛ لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة ، والأعضاء الظاهرة ساقطة البنية ، لكن القلب يكون قد أقبل على الله ورجع عن كل ما سواه ، فيقرأ عند رأسه ما يزاد به قوة قلبه ، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة وهي شفاء له ، وأسرار كلام الله تعالى وكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعلمها إلا الله ورسوله ، وما ذكرناه ظن لا نقطع به ، ونرجو الله أن يرحمنا وهو أرحم الراحمين .

تم تفسير هذه السورة ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية