ثم قال : ( 
ويهدي إليه من ينيب   ) وهو كما روي في الخبر 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013673من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا ، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة أي : من أقبل بطاعته أقبلت إليه بهدايتي وإرشادي ؛ بأن أشرح له صدره وأسهل أمره . 
واعلم أنه تعالى لما بين أنه أمر كل الأنبياء والأمم بالأخذ بالدين المتفق عليه ، كان لقائل أن يقول : فلماذا نجدهم متفرقين ؟ فأجاب الله تعالى عنهم بقوله ( 
وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم   ) يعني أنهم ما تفرقوا إلا من بعد أن علموا أن 
الفرقة ضلالة ، ولكنهم فعلوا ذلك للبغي وطلب الرياسة ، فحملتهم الحمية النفسانية والأنفة الطبيعية على أن ذهب كل طائفة إلى مذهب ودعا الناس إليه وقبح ما سواه ؛ طلبا للذكر والرياسة ، فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف ، ثم أخبر تعالى أنهم استحقوا العذاب بسبب هذا الفعل ، إلا أنه تعالى أخر عنهم ذلك العذاب ، لأن لكل عذاب عنده أجلا مسمى ، أي وقتا معلوما ، إما لمحض المشيئة كما هو قولنا ، أو لأنه علم أن الصلاح تحقيقه به كما عند 
المعتزلة  ، وهو معنى قوله ( 
ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم   ) ، والأجل المسمى قد يكون في الدنيا ، وقد يكون في القيامة ، واختلفوا في الذين أريدوا بهذه الصفة ، من هم ؟ فقال الأكثرون : هم 
اليهود  والنصارى  ، والدليل : قوله تعالى في آل عمران ( 
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم   ) [آل عمران : 19] وقال في سورة " لم يكن " ( 
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة   ) [البينة : 4] ، ولأن قوله ( 
إلا من بعد ما جاءهم العلم   ) لائق بأهل الكتاب . 
وقال آخرون : إنهم هم العرب ، وهذا باطل للوجوه المذكورة ؛ لأن قوله تعالى بعد هذه الآية ( 
وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم   ) لا يليق بالعرب ، لأن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم هم أهل الكتاب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 
لفي شك منه   ) من كتابهم ( 
مريب   ) لا يؤمنون به حق الإيمان . 
ثم قال تعالى : ( 
فلذلك فادع واستقم كما أمرت   ) يعني : فلأجل ذلك التفرق ولأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين - فادع إلى الاتفاق على الملة الحنيفية ، واستقم عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله ، ولا تتبع أهواءهم المختلفة الباطلة ( 
وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب   ) أي بأي كتاب صح أن الله أنزله ، يعني الإيمان بجميع الكتب المنزلة ؛ لأن المتفرقين آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، ونظيره قوله ( 
نؤمن ببعض ونكفر ببعض   ) [النساء : 150] إلى قوله ( 
أولئك هم الكافرون   ) [النساء : 151] ثم قال : ( 
وأمرت لأعدل بينكم   ) أي في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي ، قال 
القفال    : معناه : أن ربي أمرني أن لا أفرق بين نفسي وأنفسكم بأن آمركم بما لا أعمله ، أو أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه ، لكني أسوي بينكم وبين نفسي ، وكذلك أسوي بين أكابركم وأصاغركم فيما يتعلق بحكم الله . 
ثم قال : ( 
الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير   )   
[ ص: 137 ] والمعنى أن إله الكل واحد ، وكل واحد مخصوص بعمل نفسه ، فوجب أن يشتغل كل واحد في الدنيا بنفسه ، فإن 
الله يجمع بين الكل في يوم القيامة ويجازيه على عمله ، والمقصود منه المتاركة واشتغال كل أحد بمهم نفسه ، فإن قيل : كيف يليق بهذه المتاركة ما فعل بهم من القتل وتخريب البيوت وقطع النخيل والإجلاء ؟ قلنا : هذه المتاركة كانت مشروطة بشرط أن يقبلوا الدين المتفق على صحته بين كل الأنبياء ، ودخل فيه التوحيد وترك عبادة الأصنام والإقرار بنبوة الأنبياء وبصحة البعث والقيامة ، فلما لم يقبلوا هذا الدين ، فحينئذ فات الشرط ، فلا جرم فات المشروط .