صفحة جزء
ثم قال تعالى : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) ، والمراد من قوله : ( بالحق ) هو أن صحتها معلومة بالدلائل العقلية وذلك لأن العلم بأنها حقة صحيحة إما أن يكون مستفادا من النقل أو العقل ، والأول باطل لأن صحة الدلائل النقلية موقوفة على سبق العلم بإثبات الإله العالم القادر الحكيم وبإثبات النبوة وكيفية دلالة المعجزات على صحتها ، فلو أثبتنا هذه الأصول بالدلائل النقلية لزم الدور وهو باطل ، ولما بطل هذا ثبت أن العلم بحقيقة هذه الدلائل لا يمكن تحصيله إلا بمحض العقل ، وإذا كان كذلك كان قوله : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) من أعظم الدلائل على الترغيب في علم الأصول وتقرير المباحث العقلية .

ثم قال تعالى : ( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) يعني أن من لم ينتفع بهذه الآيات فلا شيء بعده يجوز أن ينتفع به ، وأبطل بهذا قول من يزعم أن التقليد كاف وبين أنه يجب على المكلف التأمل في دلائل دين الله ، وقوله : ( يؤمنون ) قرئ بالياء والتاء ، واختار أبو عبيدة الياء لأن قبله غيبة وهو قوله : ( لقوم يوقنون ) [ ص: 224 ] و ( لقوم يعقلون ) فإن قيل : إن في أول الكلام خطابا وهو قوله : ( وفي خلقكم ) قلنا : الغيبة التي ذكرنا أقرب إلى الحرف المختلف فيه والأقرب أولى ، ووجه قول من قرأ على الخطاب أن قل فيه مقدر أي قل لهم : فبأي حديث بعد ذلك تؤمنون .

التالي السابق


الخدمات العلمية