1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة محمد
  4. قوله تعالى ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم
صفحة جزء
( ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) .

ثم قال تعالى : ( ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ) أي ذلك الإضلال والإبطال بسبب اتباعهم الباطل ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في الباطل وجوه :

الأول : ما لا يجوز وجوده ، وذلك لأنهم اتبعوا إلها غير الله ، وإله غير الله محال الوجود ، وهو الباطل وغاية الباطل ؛ لأن الباطل هو المعدوم ، يقال : بطل كذا أي عدم ، والمعدوم الذي لا يجوز وجوده ولا يمكن أن يوجد ، ولا يجوز أن يصير حقا موجودا ، فهو في غاية البطلان ، فعلى هذا فالحق هو الذي لا يمكن عدمه وهو الله تعالى ، وذلك لأن الحق هو الموجود ، يقال : تحقق الأمر ، أي وجد وثبت ، والموجود الذي لا يجوز عدمه هو في غاية الثبوت .

الثاني : الباطل الشيطان بدليل قوله تعالى : ( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ) [ص : 85] فبين أن الشيطان متبوع وأتباعه هم الكفار والفجار ، وعلى هذا فالحق هو الله ؛ لأنه تعالى جعل في مقابلة حزب الشيطان حزب الله .

الثالث : الباطل هو قول كبرائهم ودين آبائهم ، كما قال تعالى عنهم : ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) [الزخرف : 22] ومقتدون . فعلى هذا الحق ما قاله النبي عليه السلام عن الله .

الرابع : الباطل كل ما سوى الله تعالى ؛ لأن الباطل والهالك بمعنى واحد . و ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [القصص : 88] وعلى هذا فالحق هو الله تعالى أيضا .

المسألة الثانية : لو قال قائل : من ربهم لا يلائم إلا وجها واحدا من أربعة أوجه ، وهو قولنا المراد من الحق هو ما أنزل الله وما قال النبي عليه السلام من الله ، فأما على قولنا الحق هو الله فكيف يصح قوله : ( اتبعوا الحق من ربهم ) [ ص: 37 ] نقول على هذا : ( من ربهم ) لا يكون متعلقا بالحق ، وإنما يكون تعلقه بقوله تعالى : ( اتبعوا ) أي : اتبعوا أمر ربهم ، أي من فضل الله أو هداية ربهم اتبعوا الحق ، وهو الله سبحانه .

المسألة الثالثة : إذا كان الباطل هو المعدوم الذي لا يجوز وجوده ، فكيف يمكن اتباعه؟ نقول : لما كانوا يقولون : إنما يفعلون للأصنام ، وهي آلهة وهي تؤجرهم بذلك كانوا متبعين في زعمهم ، ولا متبع هناك .

المسألة الرابعة : قال في حق المؤمنين : ( اتبعوا الحق من ربهم ) وقال في حق الكفار : ( اتبعوا الباطل ) من آلهتهم أو الشيطان ، نقول : أما آلهتهم فلأنهم لا كلام لهم ولا عقل ، وحيث ينطقهم الله ينكرون فعلهم ، كما قال تعالى : ( ويوم القيامة يكفرون بشرككم ) [فاطر : 14] وقال تعالى : ( وكانوا بعبادتهم كافرين ) [الأحقاف : 6] والله تعالى رضي بفعلهم وثبتهم عليه ، ويحتمل أن يقال : قوله : ( من ربهم ) عائد إلى الأمرين جميعا ، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق ، أي من حكم ربهم ، ومن عند ربهم .

ثم قال تعالى : ( كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) وفيه أيضا مسائل :

المسألة الأولى : أي مثل ضربه الله تعالى حتى يقول : ( كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ) ؟ نقول : فيه وجهان :

أحدهما : إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات الأبرار .

الثاني : كون الكافر متبعا للباطل ، وكون المؤمن متبعا للحق .

ويحتمل وجهين آخرين :

أحدهما : على قولنا : ( من ربهم ) أي من عند ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق ، نقول : هذا مثل يضرب عليه جميع الأمثال ، فإن الكل من عند الله الإضلال وغيره والاتباع وغيره .

وثانيهما : هو أن الله تعالى لما بين أن الكافر يضل الله عمله والمؤمن يكفر الله سيئاته ، وكان بين الكفر والإيمان مباينة ظاهرة فإنهما ضدان ، نبه على أن السبب كذا أي ليس الإضلال والتكفير بسبب المضادة والاختلاف بل بسبب اتباع الحق والباطل ، وإذا علم السبب فالفعلان قد يتحدان صورة وحقيقة ، وأحدهما يورث إبطال الأعمال والآخر يورث تكفير السيئات بسبب أن أحدهما يكون فيه اتباع الحق والآخر اتباع الباطل ، فإن من يؤمن ظاهرا وقلبه مملوء من الكفر ، ومن يؤمن بقلبه وقلبه مملوء من الإيمان اتحد فعلاهما في الظاهر ، وهما مختلفان بسبب اتباع الحق واتباع الباطل ، لا بدع من ذلك ، فإن من يؤمن ظاهرا وهو يسر الكفر ، ومن يكفر ظاهرا بالإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان اختلف الفعلان في الظاهر ، وإبطال الأعمال لمن أظهر الإيمان بسبب أن اتباع الباطل من جانبه ، فكأنه تعالى قال : ‌‌‌‌‌‌الكفر والإيمان مثلان يثبت فيهما حكمان ، وعلم سببه وهو اتباع الحق والباطل ، فكذلك اعلموا أن كل شيء اتبع فيه الحق كان مقبولا مثابا عليه ، وكل أمر اتبع فيه الباطل كان مردودا معاقبا عليه فصار هذا عاما في الأمثال ، على أنا نقول قوله : ( كذلك ) لا يستدعي أن يكون هناك مثل مضروب بل معناه أنه تعالى لما بين حال الكافر وإضلال أعماله وحال المؤمن وتكفير سيئاته وبين السبب فيهما ، كان ذلك غاية الإيضاح فقال : ( كذلك ) أي مثل هذا البيان : ( يضرب الله للناس أمثالهم ) ويبين لهم أحوالهم .

المسألة الثانية : الضمير في قوله : ( أمثالهم ) عائد إلى من؟ فيه وجهان :

أحدهما : إلى الناس كافة قال تعالى : ( يضرب الله للناس أمثالهم ) على أنفسهم .

وثانيهما : إلى الفريقين السابقين في الذكر معناه : يضرب الله للناس أمثال الفريقين السابقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية