صفحة جزء
[ ص: 57 ] : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .

ثم قال تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) .

ولنذكر تفسيرها في مسائل :

المسألة الأولى : لما قال الله تعالى : ( فأصمهم وأعمى أبصارهم ) كيف يمكنهم التدبر في القرآن قال تعالى : ( أفلا يتدبرون ) وهو كقول القائل للأعمى : أبصر وللأصم اسمع ، فنقول : الجواب عنه من ثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من البعض . الأول : تكليفه ما لا يطاق جائز والله أمر من علم أنه لا يؤمن بأن يؤمن ، فكذلك جاز أن يعميهم ويذمهم على ترك التدبر .

الثاني : أن قوله : ( أفلا يتدبرون ) المراد منه الناس .

الثالث : أن نقول : هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة ، فإنه تعالى قال : ( أولئك الذين لعنهم الله ) أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو عن الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة : ( فأصمهم ) لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريق الإسلام فإذن هم بين أمرين ، إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه؛ لأن الله تعالى لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق ، والقرآن منهما الصنف الأعلى بل النوع الأشرف ، وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة ، تقديره : ( أفلا يتدبرون القرآن ) لكونهم ملعونين مبعودين ، أم على قلوب أقفال فيتدبرون ولا يفهمون ، وعلى هذا لا نحتاج أن نقول أم بمعنى بل ، بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة في وسط الكلام والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر ، وأم دخلت على القلوب التي في وسط الكلام .

المسألة الثانية : قوله : ( على قلوب ) على التنكير ما الفائدة فيه ؟ نقول : قال الزمخشري : يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون للتنبيه على كونه موصوفا لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة فكأنه قال : أم على قلوب قاسية أو مظلمة .

الثاني : أن يكون للتبعيض كأنه قال : أم على بعض القلوب ؛ لأن النكرة لا تعم ، تقول : جاءني رجال فيفهم البعض وجاءني الرجال فيفهم الكل ، ونحن نقول : التنكير للقلوب للتنبيه على الإنكار الذي في القلوب ، وذلك لأن القلب إذا كان عارفا كان معروفا لأن القلب خلق للمعرفة ، فإذا لم تكن فيه المعرفة فكأنه لا يعرف ، وهذا كما يقول القائل في الإنسان المؤذي : هذا ليس بإنسان هذا سبع ، ولذلك يقال : هذا ليس بقلب هذا حجر .

إذا علم هذا فالتعريف إما بالألف واللام وإما بالإضافة ، واللام لتعريف الجنس أو للعهد ، ولم يمكن إرادة الجنس إذ ليس على قلب قفل ، ولا تعريف العهد لأن ذلك القلب ليس ينبغي أن يقال له قلب ، وإما بالإضافة بأن نقول على قلوب أقفالها وهي لعدم عود فائدة إليهم ، كأنها ليست لهم . فإن قيل فقد قال : ( ختم الله على قلوبهم ) [البقرة : 7] وقال : ( فويل للقاسية قلوبهم ) [الزمر : 22] فنقول : الأقفال أبلغ من الختم فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأسا .

المسألة الثالثة : في قوله : ( أقفالها ) بالإضافة ولم يقل أقفال كما قال : ( قلوب ) لأن الأقفال كانت من شأنها فأضافها إليها كأنها ليست إلا لها ، وفي الجملة لم يضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم وأضاف الأقفال إليها لكونها مناسبة لها ، ونقول أراد به أقفالا مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد .

التالي السابق


الخدمات العلمية