صفحة جزء
( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )

وقوله تعالى : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .

أي شدته التي تذهب العقول وتذهل الفطن ، وقوله : ( بالحق ) يحتمل وجوها : أحدها : أن يكون المراد منه الموت فإنه حق ، كأن شدة الموت تحضر الموت والباء حينئذ للتعدية ، يقال : جاء فلان بكذا أي أحضره . وثانيهما : أن يكون المراد من الحق ما أتى به من الدين ؛ لأنه حق وهو يظهر عند شدة الموت ، وما من أحد إلا وهو في تلك الحالة يظهر الإيمان ، لكنه لا يقبل إلا ممن سبق منه ذلك وآمن بالغيب ، ومعنى المجيء به هو أنه يظهره ، كما يقال : الدين الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - أي أظهره . ولما كانت شدة الموت مظهرة له قيل فيه : جاء به . والباء حينئذ يحتمل أن يكون المراد منها ملبسة ، يقال : جئتك بأمل فسيح وقلب خاشع . وقوله : ( ذلك ) يحتمل أن يكون إشارة إلى الموت ويحتمل أن يكون إشارة إلى الحق ، وحاد عن الطريق أي مال عنه ، والخطاب قيل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو منكر ، وقيل مع الكافرين وهو أقرب ، والأقوى أن يقال : هو خطاب عام مع السامع ، كأنه يقول : ذلك ما كنت منه تحيد أيها السامع .

التالي السابق


الخدمات العلمية