( 
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد   ) 
وقوله تعالى : ( 
لقد كنت في غفلة من هذا   ) إما على تقدير يقال له أو قيل له : ( 
لقد كنت   ) كما قال تعالى : ( 
وقال لهم خزنتها   ) [ الزمر : 73 ] وقال تعالى : ( 
قيل ادخلوا أبواب جهنم   ) [ الزمر : 72 ] والخطاب عام ، أما الكافر فمعلوم الدخول في هذا الحكم ، وأما المؤمن فإنه يزداد علما ويظهر له ما كان مخفيا عنه ويرى علمه يقينا رأي المعتبر يقينا ، فيكون بالنسبة إلى تلك الأحوال وشدة الأهوال كالغافل ، وفيه الوجهان اللذان ذكرناهما في قوله تعالى : ( 
ما كنت منه تحيد   ) والغفلة شيء من الغطاء ، كاللبس وأكثر منه ؛ لأن الشاك يلتبس الأمر عليه ، والغافل يكون الأمر بالكلية محجوبا قلبه عنه ، وهو الغلف . 
وقوله تعالى : ( 
فكشفنا عنك غطاءك   ) أي أزلنا عنك غفلتك ( 
فبصرك اليوم حديد   ) وكان من قبل كليلا ، وقرينك حديدا ، وكان في الدنيا خليلا ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( 
وقال قرينه هذا ما لدي عتيد   ) 
وفي القرين وجهان   : 
أحدهما : الشيطان الذي زين الكفر له والعصيان ، وهو الذي قال تعالى فيه : ( 
وقيضنا لهم قرناء   ) [ فصلت : 25 ] وقال تعالى : ( 
نقيض له شيطانا فهو له قرين   ) [ الزخرف : 36 ] فالإشارة بهذا المسوق إلى المرتكب الفجور والفسوق ، 
والعتيد معناه المعد للنار ، وجملة الآية معناها أن الشيطان يقول : هذا العاصي شيء هو عندي معد لجهنم ، أعددته بالإغواء والإضلال ، والوجه الثاني ( 
قال قرينه   ) أي القعيد الشهيد الذي سبق ذكره وهو الملك ، وهذا إشارة إلى كتاب أعماله ، وذلك لأن الشيطان في ذلك الوقت لا يكون من المكانة أن يقول ذلك القول ؛ ولأن قوله : ( 
هذا ما لدي عتيد   ) فيكون عتيد صفته . 
وثانيهما : أن تكون موصولة ، فيكون عتيد محتملا الثلاثة أوجه : 
أحدها : أن يكون خبرا بعد خبر ، والخبر الأول ( ما لدي ) معناه هذا الذي هو لدي وهو عتيد . 
وثانيها : أن يكون عتيد هو الخبر لا غير ، و ( ما لدي ) يقع كالوصف المميز للعتيد عن غيره كما تقول : هذا الذي عند زيد وهذا الذي يجيئني عمرو ، فيكون الذي عندي والذي يجيئني لتمييز المشار إليه عن غيره   
[ ص: 143 ] ثم يخبر عنه بما بعده ثم يقال للسائق أو الشهيد ( 
ألقيا في جهنم   ) فيكون هو أمرا لواحد ، وفيه وجهان 
أحدهما أنه ثنى تكرار الأمر كما : ألق ألق . 
وثانيهما عادة العرب ذلك . 
وقوله: ( 
كل كفار عنيد   ) الكفار يحتمل أن يكون من الكفران فيكون بمعنى كثير الكفران ، ويحتمل أن يكون من الكفر ، فيكون بمعنى شديد الكفر ، والتشديد في لفظة فعال يدل على شدة في المعنى ، والعنيد فعيل بمعنى فاعل من عند عنودا ومنه العناد ، فإن كان الكفار من الكفران ، فهو 
أنكر نعم الله مع كثرتها   .