صفحة جزء
( هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ )

[ ص: 152 ] ثم قال تعالى : ( هذا ما توعدون ) قال الزمخشري : هي جملة معترضة بين كلامين وذلك لأن قوله تعالى : ( لكل أواب ) بدل عن المتقين كأنه تعالى قال : " أزلفت الجنة للمتقين لكل أواب " كما في قوله تعالى : ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم ) [ الزخرف : 33 ] غير أن ذلك بدل الاشتمال وهذا بدل الكل وقال : ( هذا ) إشارة إلى الثواب أي هذا الثواب ما توعدون أو إلى الإزلاف المدلول عليه بقوله : ( أزلفت ) أي هذا الإزلاف ما وعدتم به ، ويحتمل أن يقال هو كلام مستقل ووجهه أن ذلك محمول على المعنى لا ما يوعد به يقال للموعود هذا لك وكأنه تعالى قال هذا ما قلت إنه لكم .

ثم قال تعالى : ( لكل أواب حفيظ ) بدلا عن الضمير في توعدون ، وكذلك إن قرئ بالياء يكون تقديره هذا لكل أواب بدلا عن الضمير ، والأواب الرجاع ، قيل هو الذي يرجع من الذنوب ويستغفر ، والحفيظ الحافظ للذي يحفظ توبته من النقض . ويحتمل أن يقال الأواب هو الرجاع إلى الله بفكره ، والحفيظ الذي يحفظ الله في ذكره أي رجع إليه بالفكر فيرى كل شيء واقعا به وموجدا منه ثم إذا انتهى إليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرخاء والنعماء ، والأواب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ ، وفيه وجوه أخر أدق ، وهو أن الأواب هو الذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه ، والحفيظ هو الذي إذا أدركه بأشرف قواه لا يتركه فيكمل بها تقواه ويكون هذا تفسيرا للمتقي ; لأن المتقي هو الذي اتقى الشرك والتعطيل ولم ينكره ولم يعترف بغيره ، والأواب هو الذي لا يعترف بغيره ويرجع عن كل شيء غير الله تعالى ، والحفيظ هو الذي لم يرجع عنه إلى شيء مما عداه .

التالي السابق


الخدمات العلمية