( 
ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب   ) . 
ثم قال تعالى : ( 
ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب   ) أعاد الدليل مرة أخرى ، وقد ذكرنا تفسير ذلك في الم السجدة ، وقلنا : إن الأجسام ثلاثة أجناس . 
أحدها : السماوات ، ثم حركها وخصصها بأمور ومواضع وكذلك الأرض خلقها ، ثم دحاها وكذلك ما بينهما خلق أعيانها وأصنافها ( 
في ستة أيام   ) إشارة إلى ستة أطوار ، والذي يدل عليه ويقرره أن المراد من الأيام لا يمكن أن يكون هو المفهوم في وضع اللغة ; لأن اليوم عبارة في اللغة عن زمان مكث الشمس فوق الأرض من الطلوع إلى الغروب ، وقبل 
خلق السماوات لم يكن شمس ولا قمر لكن اليوم يطلق ويراد به الوقت يقال يوم يولد للملك ابن يكون سرور عظيم ويوم يموت فلان يكون حزن شديد ، وإن اتفقت الولادة أو الموت ليلا ولا يتعين ذلك ويدخل في مراد العاقل لأنه أراد باليوم مجرد الحين والوقت ، إذا علمت الحال من إضافة اليوم إلى الأفعال فافهم ما عند إطلاق اليوم في قوله : ( 
ستة أيام   ) وقال بعض المفسرين : المراد من الآية 
الرد على اليهود  ، حيث قالوا : بدأ الله تعالى خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه في ستة أيام آخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على عرشه ، فقال تعالى : ( 
وما مسنا من لغوب   ) ردا عليهم ، والظاهر أن المراد الرد على المشرك 
والاستدلال بخلق السماوات والأرض وما بينهما وقوله تعالى : ( 
وما مسنا من لغوب   ) أي ما تعبنا بالخلق الأول حتى لا نقدر على الإعادة . 
ثانيا : والخلق الجديد كما قال تعالى : ( 
أفعيينا بالخلق الأول   ) [ ق : 15 ] وأما ما قاله 
اليهود  ونقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله ، وذلك لأن الأحد والاثنين أزمنة متميز بعضها عن بعض ، فلو كان خلق السماوات ابتدئ يوم الأحد لكان الزمان متحققا قبل الأجسام والزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل خلق الأجسام أجسام أخر فيلزم 
القول بقدم العالم وهو مذهب الفلاسفة ، ومن العجيب أن بين الفلاسفة والمشبهة غاية الخلاف ، فإن الفلسفي لا يثبت لله تعالى صفة أصلا ، ويقول بأن الله تعالى لا يقبل صفة بل هو واحد من جميع الوجوه ، فعلمه وقدرته وحياته هو حقيقته وعينه وذاته ، 
والمشبهي يثبت لله صفة الأجسام من الحركة والسكون والاستواء والجلوس والصعود والنزول فبينهما   
[ ص: 159 ] منافاة ، ثم إن 
اليهود  في هذا الكلام جمعوا بين المسألتين فأخذوا بمذهب الفلاسفة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي القدم حيث أثبتوا قبل خلق الأجسام أياما معدودة وأزمنة محدودة ، وأخذوا بمذهب المشبهة في المسألة التي هي أخص المسائل بهم وهي الاستواء على العرش فأخطأوا [ وضلوا ] وأضلوا في الزمان والمكان جميعا .