صفحة جزء
( يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين )

ثم قال تعالى : ( يؤفك عنه من أفك ) وفيه وجوه .

أحدها : أنه مدح للمؤمنين ، أي يؤفك عن القول المختلف ويصرف من صرف عن ذلك القول ويرشد إلى القول المستوي .

وثانيها : أنه ذم معناه يؤفك عن الرسول .

ثالثها : يؤفك عن القول بالحشر .

رابعها : يؤفك عن القرآن ، وقرئ يؤفن عنه من أفن ، أي يحرم ، وقرئ يؤفك عنه من أفك ، أي كذب .

ثم قال تعالى : ( قتل الخراصون ) وهذا يدل على أن المراد من قوله : ( لفي قول مختلف ) أنهم غير ثابتين على أمر وغير جازمين بل هم يظنون ويخرصون ، ومعناه لعن الخراصون دعاء عليهم بمكروه , ثم وصفهم فقال : ( الذين هم في غمرة ساهون ) وفيه مسألتان إحداهما لفظية والأخرى معنوية :

أما اللفظية : فقوله : ( ساهون ) يحتمل أن يكون خبرا بعد خبر ، والمبتدأ هو قوله : ( هم ) وتقديره هم [ ص: 171 ] كائنون في غمرة ساهون ، كما يقال زيد جاهل جائر لا على قصد وصف الجاهل بالجائر ، بل الإخبار بالوصفين عن زيد ، ويحتمل أن يكون: ( ساهون ) خبرا و ( في غمرة ) ظرف له ، كما يقال : زيد في بيته قاعد يكون الخبر هو القاعد لا غير وفي بيته لبيان ظرف القعود كذلك: ( في غمرة ) لبيان ظرف السهو الذي يصح وصف المعرفة بالجملة ، ولولاها لما جاز وصف المعرفة بالجملة .

وأما المعنوية : فهي أن وصف الخراص بالسهو والانهماك في الباطل ، يحقق ذلك كون الخراص صفة ذم ، وذلك لأن ما لا سبيل إليه إلا الظن إذا خرص الخارص وأطلق عليه الخراص لا يكون ذلك مفيد نقص ، كما يقال في خراص الفواكه والعساكر وغير ذلك ، وأما الخرص في محل المعرفة واليقين فهو ذم فقال : ( قتل الخراصون الذين هم ) جاهلون ساهون لا الذين تعين طريقهم في التخمين والحزر , وقوله تعالى : ( ساهون ) بعد قوله : ( في غمرة ) يفيد أنهم وقعوا في جهل وباطل ونسوا أنفسهم فيه فلم يرجعوا عنه . ثم قال تعالى :

( يسألون أيان يوم الدين ) فإن قيل : الزمان يجعل ظرف الأفعال ولا يمكن أن يكون الزمان ظرفا لظرف آخر ، وههنا جعل " أيان " ظرف اليوم فقال : ( أيان يوم الدين ) ويقال متى يقدم زيد ، فيقال : يوم الجمعة ولا يقال : متى يوم الجمعة ، فالجواب : التقدير متى يكون يوم الجمعة وأيان يكون يوم الدين ، وأيان من المركبات ركب من أي التي يقع بها الاستفهام وآن التي هي الزمان أو من أي وأوان فكأنه قال أي أوان فلما ركب بني وهذا منهم جواب لقوله : ( وإن الدين لواقع ) فكأنهم قالوا أيان يقع استهزاء , وترك المسؤول في قوله : ( يسألون ) حيث لم يقل يسألون من ، يدل على أن غرضهم ليس الجواب وإنما يسألون استهزاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية