( 
فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين   ) . 
وقوله : ( 
فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون   ) فيه بحث وهو أن 
عتا يستعمل بعلى قال تعالى : ( 
أيهم أشد على الرحمن عتيا   ) [ مريم : 69 ] وههنا استعمل مع كلمة عن فنقول فيه معنى الاستعتاء فحيث قال تعالى : ( 
عن أمر ربهم   ) كان كقوله : ( 
لا يستكبرون عن عبادته   ) [ الأعراف : 206 ] وحيث قال على كان كقول القائل فلان يتكبر علينا ، والصاعقة فيه وجهان ذكرناهما هنا . 
أحدها : أنها الواقعة . 
والثاني : الصوت الشديد وقوله : ( 
وهم ينظرون   ) إشارة إلى أحد معنيين إما بمعنى تسليمهم وعدم قدرتهم على الدفع كما يقول القائل للمضروب يضربك فلان وأنت تنظر إشارة إلى أنه لا يدفع ، وإما بمعنى أن 
العذاب أتاهم لا على غفلة بل أنذروا به من قبل بثلاثة أيام وانتظروه ، ولو كان على غفلة لكان لمتوهم أن يتوهم أنهم أخذوا على غفلة أخذ العاجل المحتاج ، كما يقول المبارز الشجاع أخبرتك بقصدي إياك فانتظرني . 
وقوله تعالى : ( 
فما استطاعوا من قيام   ) يحتمل وجهين . 
أحدهما : أنه لبيان عجزهم عن الهرب والفرار على سبيل المبالغة ، فإن من لا يقدر على قيام كيف يمشي فضلا عن أن يهرب ، وعلى هذا فيه لطائف لفظية . 
إحداها : قوله تعالى : ( 
فما استطاعوا   ) فإن الاستطاعة دون القدرة ; لأن في الاستطاعة دلالة الطلب وهو ينبئ عن عدم القدرة والاستقلال ، فمن استطاع شيئا كان دون من يقدر عليه ، ولهذا يقول المتكلمون الاستطاعة مع الفعل أو قبل الفعل إشارة إلى قدرة مطلوبة من الله تعالى مأخوذة منه وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( 
هل يستطيع ربك   ) [ المائدة : 112 ] على قراءة من قرأ بالتاء وقوله : ( 
فما استطاعوا   ) أبلغ من قول القائل ما قدروا على قيام . 
ثانيها : قوله تعالى : ( 
من قيام   ) بزيادة من ، وقد عرفت ما فيه من التأكيد . 
ثالثها : قوله : ( 
قيام   ) بدل قوله " هرب " لما بينا أن العاجز عن القيام أولى أن يعجز عن الهرب . 
الوجه الثاني : هو أن المراد   
[ ص: 193 ]   " من قيام " القيام بالأمر ، أي ما استطاعوا من قيام به . 
وقوله تعالى : ( 
وما كانوا منتصرين   ) أي ما استطاعوا الهزيمة والهرب ، ومن لا يقدر عليه يقاتل وينتصر بكل ما يمكنه لأنه يدفع عن الروح وهم مع ذلك ما كانوا منتصرين ، وقد عرفت أن 
قول القائل ما هو بمنتصر أبلغ من قوله ما انتصر ولا ينتصر والجواب ترك مع كونه يجب تقديره وقوله : ( 
انتصر   ) [ الشورى: 41] أي لشيء من شأنه ذلك ، كما تقول فلان لا ينصر أو فلان ليس ينصر .