( 
على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون   ) . 
ثم قال تعالى : ( 
على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين   ) . 
والموضونة هي المنسوجة القوية اللحمة والسدى، ومنه يقال للدرع المنسوجة : موضونة ، والوضين هو الحبل العريض الذي يكون منه الحزم لقوة سداه ولحمته ، والسرر التي تكون للملوك يكون لها قوائم من شيء صلب ويكون مجلسهم عليها معمولا بحرير وغير ذلك ؛ لأنه أنعم من الخشب وما يشبهه في الصلابة وهذه السرر قوائمها من الجواهر النفيسة ، وأرضها من الذهب الممدود ، وقوله تعالى : ( 
متكئين عليها   ) للتأكيد ، والمعنى أنهم 
كائنون على سرر متكئين عليها متقابلين ، ففائدة التأكيد هو أن لا يظن أنهم كائنون على سرر متكئين على غيرها ، كما يكون حال من يكون على كرسي صغير لا يسعه للاتكاء فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه ، فلما قال : على سرر متكئين عليها دل هذا على أن استقرارهم واتكاءهم جميعا على سرر ، وقوله تعالى : ( 
متقابلين   ) فيه وجهان : 
أحدهما : أن أحدا لا يستدبر أحدا . 
وثانيهما : أن أحدا من   
[ ص: 131 ] السابقين لا يرى غيره فوقه ، وهذا أقرب ؛ لأن قوله : ( 
متقابلين   ) على الوجه الأول يحتاج إلى أن يقال : متقابلين معناه أن كل أحد يقابل أحدا في زمان واحد ، ولا يفهم هذا إلا فيما لا يكون فيه اختلاف جهات ، وعلى هذا فيكون معنى الكلام أنهم أرواح ليس لهم أدبار وظهور ، فيكون المراد من السابقين هم الذين أجسامهم أرواح نورانية ، جميع جهاتهم وجه كالنور الذي يقابل كل شيء ولا يستدبر أحدا ، والوجه الأول أقرب إلى أوصاف المكانيات . 
ثم قال تعالى : ( 
يطوف عليهم ولدان مخلدون   ) . 
والولدان جمع الوليد ، وهو في الأصل فعيل بمعنى مفعول وهو المولود لكن غلب على الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين ، والدليل أنهم قالوا للجارية الصغيرة : وليدة ، ولو نظروا إلى الأصل لجردوها عن الهاء كالقتيل ، إذا ثبت هذا فنقول : في الولدان وجهان : 
أحدهما : أنه على الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف ؛ لأن صغار المؤمنين أخبر الله تعالى عنهم أنه يلحقهم بآبائهم ، ومن الناس المؤمنين الصالحين من لا ولد له فلا يجوز أن يخدم ولد المؤمن مؤمنا غيره ، فيلزم إما أن يكون لهم اختصاص ببعض الصالحين وأن لا يكون لمن لا يكون له ولد من يطوف عليه من الولدان ، وإما أن يكون ولد الآخر يخدم غير أبيه وفيه منقصة بالأب ، وعلى هذا الوجه قيل : هم صغار الكفار وهو أقرب من الأول إذ ليس فيه ما ذكرنا من المفسدة . 
والثاني : أنه على الاستعمال الذي لم يلحظ فيه الأصل وهو إرادة الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين ، وهو حينئذ كقوله تعالى : ( 
ويطوف عليهم غلمان لهم   ) [ الطور : 24 ] وفي قوله تعالى : ( 
مخلدون   ) وجهان . 
أحدهما : أنه من الخلود والدوام ، وعلى هذا الوجه يظهر وجهان آخران : 
أحدهما : أنهم مخلدون ولا موت لهم ولا فناء . 
وثانيهما : لا يتغيرون عن حالهم ويبقون صغارا دائما لا يكبرون ولا يلتحون . 
والوجه الثاني : أنه من الخلدة وهو القرط بمعنى في آذانهم حلق ، والأول أظهر وأليق .