( 
وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين   ) . 
ثم قال تعالى : ( 
وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين   ) وفيه مسألتان :  
[ ص: 176 ] المسألة الأولى : في السلام وفيه وجوه : 
أولها : يسلم به صاحب اليمين على صاحب اليمين ، كما قال تعالى من قبل : ( 
لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما   ) [ الواقعة : 25 ] . 
ثانيها : ( 
فسلام لك   ) أي سلامة لك من أمر خاف قلبك منه فإنه في أعلى المراتب ، وهذا كما يقال لمن تعلق قلبه بولده الغائب عنه ، إذا كان يخدم عند كريم ، يقول له : كن فارغا من جانب ولدك فإنه في راحة . 
ثالثها : أن هذه الجملة تفيد عظمة حالهم كما يقال : فلان ناهيك به ، وحسبك أنه فلان ، إشارة إلى أنه ممدوح فوق الفضل . 
المسألة الثانية : الخطاب بقوله : ( 
لك   ) مع من ؟ نقول : قد ظهر بعض ذلك فنقول : يحتمل أن يكون المراد من الكلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ فيه وجه وهو ما ذكرنا أن ذلك تسلية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم غير محتاجين إلى شيء من الشفاعة وغيرها ، فسلام لك يا 
محمد  منهم فإنهم في سلامة وعافية لا يهمك أمرهم ، أو فسلام لك يا 
محمد  منهم ، وكونهم ممن يسلم على 
محمد  صلى الله عليه وسلم دليل العظمة ، فإن العظيم لا يسلم عليه إلا عظيم ، وعلى هذا ففيه لطيفة : وهي أن
النبي صلى الله عليه وسلم مكانته فوق مكانة أصحاب اليمين بالنسبة إلى المقربين الذين هم في عليين ، كأصحاب الجنة بالنسبة إلى أهل عليين ، فلما قال : ( 
وأما إن كان من أصحاب اليمين   ) كان فيه إشارة إلى أن مكانهم غير مكان الأولين المقربين ، فقال تعالى : هؤلاء وإن كانوا دون الأولين لكن لا تنفع بينهم المكانة والتسليم ، بل هم يرونك ويصلون إليك وصول جليس الملك إلى الملك والغائب إلى أهله وولده ، وأما المقربون فهم يلازمونك ولا يفارقونك وإن كنت أعلى مرتبة منهم .