( 
اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم   )   
[ ص: 201 ] ثم قال تعالى : ( 
اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون   ) . وفيه وجهان : 
الأول : أنه تمثيل والمعنى أن القلوب التي ماتت بسبب القساوة ، 
فالمواظبة على الذكر سبب لعود حياة الخشوع إليها كما يحيي الله الأرض بالغيث . 
والثاني : أن المراد من قوله : ( 
يحيي الأرض بعد موتها   ) بعث الأموات فذكر ذلك ترغيبا في الخشوع والخضوع وزجرا عن القساوة . 
ثم قال تعالى : ( 
إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قال 
أبو علي الفارسي    : قرأ 
ابن كثير  وعاصم  في رواية 
أبي بكر    : ( إن المصدقين والمصدقات ) بالتخفيف ، وقرأ الباقون 
وحفص  عن 
عاصم    : ( 
إن المصدقين والمصدقات   ) بتشديد الصاد فيهما ، فعلى القراءة الأولى يكون معنى المصدق المؤمن ، فيكون المعنى : ( 
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات   ) [ البقرة : 277] لأن إقراض الله من الأعمال الصالحة ، ثم قالوا : وهذه القراءة أولى لوجهين : 
الأول : أن 
من تصدق لله وأقرض إذا لم يكن مؤمنا لم يدخل تحت الوعد ، فيصير ظاهر الآية متروكا على قراءة التشديد ، ولا يصير متروكا على قراءة التخفيف . 
والثاني : أن المتصدق هو الذي يقرض الله ، فيصير قوله : ( 
إن المصدقين والمصدقات   ) وقوله : ( 
وأقرضوا الله   ) شيئا واحدا وهو تكرار ، أما على قراءة التخفيف فإنه لا يلزم التكرار ، وحجة من نقل وجهان : 
أحدهما : أن في قراءة 
أبي    : " والمتصدقين والمتصدقات " بالتاء . 
والثاني : أن قوله : ( 
وأقرضوا الله قرضا حسنا   ) اعتراض بين الخبر والمخبر عنه ، والاعتراض بمنزلة الصفة ، فهو للصدقة أشد ملازمة منه للتصديق ، وأجاب الأولون : بأنا لا نحمل قوله : ( 
وأقرضوا   ) على الاعتراض ، ولكنا نعطفه على المعنى ، ألا ترى أن المصدقين والمصدقات معناه : إن الذين صدقوا ، فصار تقدير الآية : إن الذين صدقوا وأقرضوا الله . 
المسألة الثانية : في الآية إشكال ، وهو أن عطف الفعل على الاسم قبيح ، فما الفائدة في التزامه ههنا ؟ قال صاحب الكشاف : قوله : ( 
وأقرضوا   ) معطوف على معنى الفعل في المصدقين ؛ لأن اللام بمعنى الذين ، واسم الفاعل بمعنى صدقوا ، كأنه قيل : إن الذين صدقوا وأقرضوا ، واعلم أن هذا لا يزيل الإشكال ، فإنه ليس فيه بيان أنه لم عدل عن ذلك اللفظ إلى هذا اللفظ ، والذي عندي فيه أن الألف واللام في المصدقين والمصدقات للمعهود ، فكأنه ذكر جماعة معينين بهذا الوصف ، ثم قبل ذكر الخبر أخبر عنهم بأنهم أتوا بأحسن أنواع الصدقة وهو الإتيان بالقرض الحسن ، ثم ذكر الخبر بعد ذلك وهو قوله : ( 
يضاعف لهم   ) فقوله : ( 
وأقرضوا الله   ) هو المسمى بحشو اللوزنج كما في قوله : 
إن الثمانين وبلغتها   [قد أحوجت سمعي إلى ترجمان] 
المسألة الثالثة : من قرأ : " المصدقين " بالتشديد اختلفوا في أن المراد هو الواجب أو التطوع أو هما جميعا ، أو المراد بالتصدق الواجب وبالإقراض التطوع ؛ لأن تسميته بالقرض كالدلالة على ذلك ، فكل هذه الاحتمالات مذكورة ، أما قوله : ( 
يضاعف لهم ولهم أجر كريم   ) فقد تقدم القول فيه .  
[ ص: 202 ]