صفحة جزء
( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )

قوله تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم )

اعلم أنه تعالى ذكر قبل هذه الآية حال المؤمنين والمنافقين ، وذكر الآن حال المؤمنين وحال الكافرين ، ثم في الآية مسألتان :

المسألة الأولى : الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وجمع صدقا إلى صدق في الإيمان بالله تعالى ورسله ، وفي هذه الآية قولان :

أحدهما : أن الآية عامة في كل من آمن بالله ورسله ، وهو مذهب مجاهد ، قال : كل من آمن بالله ورسله فهو صديق ، ثم قرأ هذه الآية ، ويدل على هذا ما روي عن ابن عباس في قوله : ( هم الصديقون ) أي الموحدون .

الثاني : أن الآية خاصة ، وهو قول المقاتلين : أن الصديقين هم الذين آمنوا بالرسل حين أتوهم ولم يكذبوا ساعة قط مثل آل ياسين ، ومثل مؤمن آل فرعون ، وأما في ديننا فهم ثمانية سبقوا أهل الأرض إلى الإسلام ؛ أبو بكر وعلي وزيد وعثمان وطلحة والزبير وسعد وحمزة وتاسعهم عمر ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نيته .

المسألة الثانية : قوله : ( والشهداء ) فيه قولان :

الأول : أنه عطف على الآية الأولى ، والتقدير : إن الذين آمنوا بالله ورسله هم الصديقون وهم الشهداء ، قال مجاهد : كل مؤمن فهو صديق وشهيد ، وتلا هذه الآية ، هذا القول اختلفوا في أنه لم سمي كل مؤمن شهيدا ؟ فقال بعضهم : لأن المؤمنين هم الشهداء عند ربهم على العباد في أعمالهم ، والمراد أنهم عدول الآخرة الذين تقبل شهادتهم ، وقال الحسن : السبب في هذا الاسم أن كل مؤمن فإنه يشهد كرامة ربه ، وقال الأصم : كل مؤمن شهيد ؛ لأنه قائم لله تعالى بالشهادة فيما تعبدهم به من وجوب الإيمان ووجوب الطاعات وحرمة الكفر والمعاصي ، وقال أبو مسلم : قد ذكرنا أن الصديق نعت لمن كثر منه الصدق وجمع صدقا إلى صدق في الإيمان بالله تعالى ورسله ، فصاروا بذلك شهداء على غيرهم .

القول الثاني : أن قوله : ( والشهداء ) ليس عطفا على ما تقدم ، بل هو مبتدأ ، وخبره قوله : ( عند ربهم ) أو يكون ذلك صفة وخبره هو قوله : ( لهم أجرهم ) وعلى هذا القول اختلفوا في المراد من الشهداء ، فقال الفراء والزجاج : هم الأنبياء ؛ لقوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) [ النساء : 41 ] وقال مقاتل ومحمد بن جرير : الشهداء هم الذين استشهدوا في سبيل الله ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما تعدون الشهداء فيكم ؟ قالوا : المقتول ، فقال : إن شهداء أمتي إذا لقليل ، ثم ذكر أن المقتول شهيد ، والمبطون شهيد ، والمطعون شهيد " الحديث .

واعلم أنه تعالى لما ذكر حال المؤمنين ، أتبعه بذكر حال الكافرين فقال : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية