( 
الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم   ) 
قوله تعالى : ( 
الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم   ) اعلم أن قوله : ( 
الذين يظاهرون   ) فيه مسألتان : 
المسألة الأولى : ما يتعلق بالمباحث اللغوية والفقهية ، فنقول : في هذه الآية بحثان : 
أحدهما : أن الظهار ما هو ؟ 
الثاني : أن المظاهر من هو ؟ 
وقوله : ( 
من نسائهم   ) فيه بحث : وهو أن المظاهر منها من هي ؟ 
أما البحث الأول : وهو أن 
الظهار ما هو ؟ ففيه مقامان : 
المقام الأول : في البحث عن هذه اللفظة بحسب اللغة وفيه قولان : 
أحدهما : أنه عبارة عن قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي ، فهو مشتق من الظهر . 
والثاني : وهو صاحب النظم ، أنه ليس مأخوذا من الظهر الذي هو عضو من الجسد ؛ لأنه ليس الظهر أولى بالذكر في هذا الموضع من سائر الأعضاء التي هي مواضع المباضعة والتلذذ ، بل الظهر ههنا مأخوذ من العلو ، ومنه قوله تعالى : ( 
فما اسطاعوا أن يظهروه   ) [ الكهف : 97 ] أي يعلوه ، وكل من علا شيئا فقد   
[ ص: 219 ] ظهره ، ومنه سمي المركوب ظهرا ؛ لأن راكبه يعلوه ، وكذلك امرأة الرجل ظهره ؛ لأنه يعلوها بملك البضع ، وإن لم يكن من ناحية الظهر ، فكأن امرأة الرجل مركب للرجل وظهر له ، ويدل على صحة هذا المعنى أن العرب تقول في الطلاق : نزلت عن امرأتي ، أي طلقتها ، وفي قولهم : أنت علي كظهر أمي حذف وإضمار ، لأن تأويله : ظهرك علي ، أي ملكي إياك ، وعلوي عليك حرام ، كما أن علوي على أمي وملكها حرام علي . 
المقام الثاني : في الألفاظ المستعملة بهذا المعنى في عرف الشريعة . الأصل في هذا الباب أن يقال : أنت علي كظهر أمي ، فإما أن يكون لفظ الظهر ولفظ الأم مذكورين ، وإما أن يكون لفظ الأم مذكورا دون لفظ الظهر ، وإما أن يكون لفظ الظهر مذكورا دون لفظ الأم ، وإما أن لا يكون واحد منهما مذكورا ، فهذه أقسام أربعة . 
القسم الأول : إذا كانا مذكورين وهو معتبر بالاتفاق ، ثم لا مناقشة في الصلات إذا انتظم الكلام ، فلو 
قال : أنت علي كظهر أمي ، أو أنت مني كظهر أمي ، فهذه الصلات كلها جائزة ، ولو 
لم يستعمل صلة وقال : أنت كظهر أمي ، فقيل : إنه صريح ، وقيل : يحتمل أن يريد أنها كظهر أمه في حق غيره ، ولكن هذا الاحتمال كما لو قال لامرأته : أنت طالق ثم قال : أردت بذلك الإخبار عن كونها طالقا من جهة فلان . 
القسم الثاني : أن تكون الأم مذكورة ، ولا يكون الظهر مذكورا ، وتفصيل مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  فيه أن الأعضاء قسمان ، منها ما يكون التشبيه بها غير مشعر بالإكرام ، ومنها ما يكون التشبيه بها مشعرا بالإكرام ، أما الأول : فهو 
كقوله : أنت علي كرجل أمي ، أو كيد أمي ، أو كبطن أمي ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي  فيه قولان : الجديد : أن الظهار يثبت ، والقديم : أنه لا يثبت ، أما الأعضاء التي يكون التشبيه بها سببا للإكرام ، فهو كقوله : أنت علي كعين أمي ، أو روح أمي ، فإن أراد الظهار كان ظهارا ، وإن أراد الكرامة فليس بظهار ، فإن لفظه محتمل لذلك ، وإن أطلق ففيه تردد . هذا تفصيل مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، وأما مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي  في " أحكام القرآن " : إذا 
شبه زوجته بعضو من الأم يحل له النظر إليه لم يكن ظهارا ، وهو قوله : أنت علي كيد أمي أو كرأسها ، أما إذا شبهها بعضو من الأم يحرم عليه النظر إليه كان ظهارا ، كما إذا قال : أنت علي كبطن أمي أو فخذها ، والأقرب عندي هو القول القديم 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي  ، وهو أنه لا يصح الظهار بشيء من هذه الألفاظ ، والدليل عليه أن حل الزوجة كان ثابتا ، وبراءة الذمة عن وجوب الكفارة كانت ثابتة ، والأصل في الثابت البقاء على ما كان ترك العمل به فيما إذا قال : "أنت علي كظهر أمي" لمعنى مفقود في سائر الصور ، وذلك لأن اللفظ المعهود في الجاهلية هو قوله : أنت علي كظهر أمي ؛ ولذلك سمي ظهارا ، فكان هذا اللفظ بسبب العرف مشعرا بالتحريم ، ولم يوجد هذا المعنى في سائر الألفاظ ، فوجب البقاء على حكم الأصل . 
القسم الثالث : ما إذا كان الظهر مذكورا ولم تكن الأم مذكورة ، فهذا يدل على ثلاثة مراتب : 
المرتبة الأولى : أن يجري 
التشبيه بالمحرمات من النسب والرضاع ، وفيه قولان : القديم أنه لا يكون ظهارا ، والقول الجديد أنه يكون ظهارا وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة    . 
المرتبة الثانية : 
تشبيهها بالمرأة المحرمة تحريما مؤقتا مثل أن يقول لامرأته : أنت علي كظهر فلانة ، وكان طلقها . والمختار عندي أن شيئا من هذا لا يكون ظهارا ، ودليله ما ذكرناه في المسألة السالفة ، وحجة 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة  أنه تعالى قال : ( 
والذين يظاهرون   ) وظاهر هذه الآية يقتضي حصول الظهار بكل محرم ، فمن قصره على الأم فقد خص . ( والجواب ) أنه تعالى لما قال بعده : ( 
ما هن أمهاتهم   )   
[ ص: 220 ]   ( 
إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم   ) دل على أن المراد هو الظهار بذكر الأم ؛ ولأن حرمة الأم أشد من حرمة سائر المحارم ، فنقول : المقتضي لبقاء الحل قائم على ما بيناه ، وهذا الفارق موجود ، فوجب أن لا يجوز القياس . 
القسم الرابع : ما إذا لم يذكر لا الظهر ولا الأم ، كما لو 
قال : أنت علي كبطن أختي ، وعلى قياس ما تقدم يجب أن لا يكون ذلك ظهارا . 
البحث الثاني : في المظاهر ، وفيه مسألتان :