صفحة جزء
[ ص: 244 ] ( وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) .

قوله تعالى : ( وقذف في قلوبهم الرعب ) قال أهل اللغة : الرعب : الخوف الذي يستوعب الصدر ، أي يملؤه ، وقذفه إثباته فيه ، وفيه قالوا في صفة الأسد : مقذف ، كأنما قذف باللحم قذفا ؛ لاكتنازه وتداخل أجزائه ، واعلم أن هذه الآية تدل على قولنا من أن الأمور كلها لله ، وذلك لأن الآية دلت على أن وقوع ذلك الرعب في قلوبهم كان من الله ، ودلت على أن ذلك الرعب صار سببا في إقدامهم على بعض الأفعال ، وبالجملة فالفعل لا يحصل إلا عند حصول داعية متأكدة في القلب ، وحصول تلك الداعية لا يكون إلا من الله ، فكانت الأفعال بأسرها مسندة إلى الله بهذا الطريق .

قوله تعالى : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) فيه مسائل :

المسألة الأولى : قال أبو علي : قرأ أبو عمرو وحده : " يخربون " مشددة ، وقرأ الباقون : " يخربون " خفيفة ، وكان أبو عمرو يقول : الإخراب أن يترك الشيء خرابا ، والتخريب : الهدم ، وبنو النضير خربوا وما أخربوا . قال المبرد : ولا أعلم لهذا وجها ، ويخربون هو الأصل خرب المنزل ، وأخربه صاحبه ، كقوله : علم وأعلمه ، وقام وأقامه ، فإذا قلب يخربون من التخريب ، فإنما هو تكثير ؛ لأنه ذكر بيوتا تصلح للقليل والكثير ، وزعم سيبويه أنهما يتعاقبان في الكلام ، فيجري كل واحد مجرى الآخر ، نحو فرحته وأفرحته ، وحسنه الله وأحسنه ، وقال الأعشى :


وأخربت من أرض قوم ديارا



وقال الفراء : "يخربون "بالتشديد يهدمون ، وبالتخفيف يخربون منها ويتركونها .

المسألة الثانية : ذكر المفسرون في بيان أنهم كيف كانوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين وجوها :

أحدها : أنهم لما أيقنوا بالجلاء ، حسدوا المسلمين أن يسكنوا مساكنهم ومنازلهم ، فجعلوا يخربونها من داخل ، والمسلمون من خارج .

وثانيها : قال مقاتل : إن المنافقين دسوا إليهم أن لا يخرجوا ، ودربوا على الأزقة وحصنوها ، فنقضوا بيوتهم وجعلوها كالحصون على أبواب الأزقة ، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب .

وثالثها : أن المسلمين إذا ظهروا على درب من دروبهم خربوه ، وكان اليهود يتأخرون إلى ما وراء بيوتهم ، وينقبونها من أدبارها .

ورابعها : أن المسلمين كانوا يخربون ظواهر البلد ، واليهود لما أيقنوا بالجلاء وكانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم مما يستحسنونه أو الباب ، فيهدمون بيوتهم وينزعونها ، ويحملونها على الإبل ، فإن قيل : ما معنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين ؟ قلنا قال الزجاج : لما عرضوهم لذلك وكانوا السبب فيه فكأنهم أمروهم به وكلفوه إياهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية