صفحة جزء
المسألة الثالثة : اختلفوا في الشياطين فقيل : المراد شياطين الجن وهو قول الأكثرين ، وقيل : شياطين الإنس وهو قول المتكلمين من المعتزلة ، وقيل : هم شياطين الإنس والجن معا . أما الذين حملوه على شياطين الجن قالوا : إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها ويلقونها إلى الكهنة ، وقد دونوها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا : إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون : هذا علم سليمان وما تم له ملكه إلا بهذا العلم وبه يسخر الجن والإنس والريح التي تجري بأمره . وأما الذين حملوه على شياطين الإنس قالوا : روي في الخبر أن سليمان عليه السلام كان قد دفن كثيرا من العلوم التي خصه الله تعالى بها تحت سرير ملكه حرصا على أنه إن هلك الظاهر منها يبقى ذلك المدفون ، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ، ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلا بسبب هذه الأشياء فهذا معنى : " ما تتلو الشياطين " .

واحتج القائلون بهذا الوجه على فساد القول الأول بأن شياطين الجن لو قدروا على تغيير كتب الأنبياء وشرائعهم بحيث يبقى ذلك التحريف فيما بين الناس لارتفع الوثوق عن جميع الشرائع وذلك يفضي إلى الطعن في كل الأديان . فإن قيل : إذا جوزتم ذلك على شياطين الإنس فلم لا يجوز مثله على شياطين الجن ؟ قلنا : الفرق أن الذي يفعله الإنسان لا بد وأن يظهر من بعض الوجوه ، أما لو جوزنا هذا الافتعال من الجن وهو أن نزيد في [ ص: 186 ] كتب سليمان بخط مثل خط سليمان فإنه لا يظهر ذلك ويبقى مخفيا فيفضي إلى الطعن في جميع الأديان .

المسألة الرابعة : أما قوله : ( على ملك سليمان ) فقيل في ملك سليمان ، عن ابن جريج ، وقيل على عهد ملك سليمان والأقرب أن يكون المراد واتبعوا ما تتلوا الشياطين افتراء على ملك سليمان لأنهم كانوا يقرءون من كتب السحر ويقولون إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب هذا العلم ، فكانت تلاوتهم لتلك الكتب كالافتراء على ملك سليمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية