صفحة جزء
المسألة السادسة :

علامات الاسم إما أن تكون لفظية أو معنوية ، فاللفظية إما أن تحصل في أول الاسم وهو حرف تعريف ، أو حرف جر ، أو في حشوه كياء التصغير ، وحرف التكسير ، أو في آخره كحرفي التثنية والجمع . وأما المعنوية : فهي كونه موصوفا وصفة وفاعلا ومفعولا ومضافا إليه ومخبرا عنه ومستحقا للإعراب بأصل الوضع .

المسألة السابعة :

ذكروا للفعل تعريفات :

التعريف الأول :

قال سيبويه : إنها أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وينتقض بلفظ الفاعل والمفعول .

التعريف الثاني :

أنه الذي أسند إلى شيء ولا يستند إليه شيء وينتقض بإذا وكيف ، فإن هذه الأسماء يجب إسنادها إلى شيء آخر ، ويمتنع استناد شيء آخر إليها .

التعريف الثالث :

قال الزمخشري : الفعل ما دل على اقتران حدث بزمان وهو ضعيف لوجهين :

الأول : أنه يجب أن يقال " كلمة دالة على اقتران حدث بزمان " وإنما يجب ذكر الكلمة لوجوه :

أحدها : أنا لو لم نقل بذلك لانتقض بقولنا اقتران حدث بزمان ، فإن مجموع هذه الألفاظ دال على اقتران حدث بزمان مع أن هذا المجموع ليس بفعل ، أما إذا قيدناه بالكلمة اندفع هذا السؤال : لأن مجموع هذه الألفاظ ليس كلمة واحدة .

وثانيها : أنا لو لم نذكر ذلك لانتقض بالخط والعقد والإشارة .

وثالثها : أن الكلمة لما كانت كالجنس القريب لهذه الثلاثة فالجنس القريب واجب الذكر في الحد .

الوجه الثاني : ما نذكره بعد ذلك .

التعريف الرابع :

الفعل كلمة دالة على ثبوت المصدر لشيء غير معين في زمان معين ، وإنما قلنا : كلمة لأنها هي الجنس القريب ، وإنما قلنا : دالة على ثبوت المصدر ولم نقل دالة على ثبوت شيء ؛ لأن المصدر قد يكون أمرا ثابتا ، كقولنا : ضرب وقتل ، وقد يكون عدميا مثل : فني وعدم ، فإن مصدرهما الفناء والعدم ، وإنما قلنا بشيء غير معين لأنا سنقيم الدليل على أن هذا المقدار معتبر ، وإنما قلنا في زمان معين احترازا عن الأسماء .

واعلم أن في هذه القيود مباحثات : القيد الأول هو قولنا " يدل على ثبوت المصدر لشيء " فيه إشكالات :

الأول : أنا إذا قلنا خلق الله العالم ، فقولنا : خلق ، إما أن يدل على ثبوت الخلق لله سبحانه وتعالى أو لا يدل ، فإن لم يدل بطل ذلك القيد وإن دل فذلك الخلق يجب أن يكون مغايرا للمخلوق ، وهو إن كان محدثا افتقر إلى خلق آخر ولزم التسلسل ، وإن كان قديما لزم قدم المخلوق .

والثاني : أنا إذا قلنا وجد الشيء فهل دل ذلك على حصول الوجود لشيء أو لم يدل ؟ فإن لم يدل بطل هذا القيد وإن دل لزم أن يكون الوجود حاصلا لشيء غيره وذلك الغير يجب أن يكون حاصلا في نفسه ؛ لأن ما لا حصول له في نفسه امتنع حصول غيره له . فيلزم أن يكون حصول الوجود له مسبوقا بحصول آخر إلى غير النهاية وهو محال .

والثالث : إذا قلنا عدم الشيء وفني فهذا يقتضي حصول العدم وحصول الفناء لتلك الماهية ، وذلك محال ؛ لأن العدم والفناء نفي محض [ ص: 41 ] فكيف يعقل حصولهما لغيرهما .

والرابع : أن على تقدير أن يكون الوجود زائدا على الماهية فإنه يصدق قولنا " أنه حصل الوجود لهذه الماهية " فيلزم حصول وجود آخر لذلك الوجود إلى غير نهاية ، وهو محال ، وأما على تقدير أن يكون الوجود نفس الماهية ، فإن قولنا حدث الشيء وحصل ، فإنه لا يقتضي حصول وجود لذلك الشيء ، وإلا لزم أن يكون الوجود زائدا على الماهية ، ونحن الآن إنما نتكلم على تقدير أن الوجود نفس الماهية .

وأما القيد الثاني :

وهو قولنا " في زمان معين " ففيه سؤالات :

أحدها : أنا إذا قلنا " وجد الزمان " أو قلنا " فني الزمان " فهذا يقتضي حصول الزمان في زمان آخر ، ولزم التسلسل ، فإن قالوا : يكفي في صحة هذا الحد كون الزمان واقعا في زمان آخر بحسب الوهم الكاذب ، قلنا : الناس أجمعوا على أن قولنا : حدث الزمان وحصل بعد أن كان معدوما كلام حق ليس فيه باطل ولا كذب ، ولو كان الأمر كما قلتم لزم كونه باطلا وكذبا .

وثانيها : أنا إذا قلنا : كان العالم معدوما في الأزل ، فقولنا : كان فعل ، فلو أشعر ذلك بحصول الزمان لزم حصول الزمان في الأزل ، وهو محال ، فإن قالوا : ذلك الزمان مقدر لا محقق ، قلنا التقدير الذهني إن طابق الخارج عاد السؤال ، وإن لم يطابق كان كذبا ، ولزم فساد الحد .

وثالثها : أنا إذا قلنا : كان الله موجودا في الأزل ، فهذا يقتضي كون الله زمانيا وهو محال .

ورابعها : أنه ينتقض بالأفعال الناقصة ، فإن (كان) الناقصة إما أن تدل على وقوع حدث في زمان أو لا تدل . فإن دلت كان تاما لا ناقصا : لأنه متى دل اللفظ على حصول حدث في زمان معين كان هذا كلاما تاما لا ناقصا ، وإن لم يدل وجب أن لا يكون فعلا .

وخامسها : أنه يبطل بأسماء الأفعال فإنها تدل على ألفاظ دالة على الزمان المعين ، والدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء ، فهذه الأسماء دالة على الزمان المعين .

وسادسها : أن اسم الفاعل يتناول إما الحال وإما الاستقبال ولا يتناول الماضي ألبتة ، فهو دال على الزمان المعين . والجواب : أما السؤالات الأربعة المذكورة على قولنا " الفعل يدل على ثبوت المصدر لشيء " والثلاثة المذكورة على قولنا " الفعل يدل الزمان " فجوابها أن اللغوي يكفي في علمه تصور المفهوم ، سواء كان حقا أو باطلا .

وأما قوله " يشكل هذا الحد بالأفعال الناقصة " قلنا : الذي أقول به وأذهب إليه أن لفظة كان تامة مطلقا ، إلا أن الاسم الذي يستند إليه لفظ كان قد يكون ماهية مفردة مستقلة بنفسها ، مثل قولنا : كان الشيء ، بمعنى حدث وحصل ، وقد تكون تلك الماهية عبارة عن موصوفية شيء لشيء آخر ، مثل قولنا : كان زيد منطلقا فإن معناه حدوث موصوفية زيد بالانطلاق ، فلفظ كان ههنا معناه أيضا الحدوث والوقوع ، إلا أن هذه الماهية لما كانت من باب النسب ، والنسبة يمتنع ذكرها إلا بعد ذكر المنتسبين ، لا جرم وجب ذكرهما ههنا ، فكما أن قولنا : كان زيد معناه أنه حصل ووجد فكذا قولنا كان زيد منطلقا ، معناه أنه حصلت موصوفية زيد بالانطلاق : وهذا بحث عميق دقيق غفل الأولون عنه .

وقوله : " خامسا يبطل ما ذكرتم بأسماء الأفعال " قلنا : المعتبر في كون اللفظ فعلا دلالته على الزمان ابتداء لا بواسطة .

وقوله : " سادسا اسم الفاعل مختص بالحال والاستقبال " قلنا : لا نسلم بدليل أنهم قالوا : إذا كان بمعنى الماضي لم يعمل عمل الفعل وإذا كان بمعنى الحال فإنه يعمل عمل الفعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية