صفحة جزء
( فإذا نقر في الناقور )

قوله تعالى : ( فإذا نقر في الناقور ) اعلم أنه تعالى لما تمم ما يتعلق بإرشاد قدوة الأنبياء وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، عدل عنه إلى شرح وعيد الأشقياء وهو هذه الآية ، وههنا مسائل :

المسألة الأولى : الفاء في قوله : ( فإذا نقر ) للسبب كأنه قال : ( ودع أذاهم ) [ الأحزاب : 48] فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم ، وتلقى أنت عاقبة صبرك عليه .

المسألة الثانية : اختلفوا في أن الوقت الذي ينقر في الناقور ، أهو النفخة الأولى أم النفخة الثانية ؟

فالقول الأول : أنه هو النفخة الأولى ، قال الحليمي في كتاب المنهاج : أنه تعالى سمى الصور باسمين ؛ أحدهما الصور ، والآخر الناقور ، وقول المفسرين : إن الناقور هو الصور ، ثم لا شك أن الصور وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان معا ، فإن نفخة الإصعاق تخالف نفخة الإحياء ، وجاء في الأخبار : أن في الصور ثقبا بعدد الأرواح كلها ، وأنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية ، فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه فيعود الجسد حيا بإذن الله تعالى ، فيحتمل أن يكون الصور محتويا على آلتين ينقر في إحداهما وينفخ في الأخرى ، فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر والنفخ ، لتكون الصيحة أهد وأعظم ، وإذا نفخ فيه للإحياء لم ينقر فيه ، واقتصر على النفخ ، لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها ، لا تنقيرها من أجسادها ، والنفخة الأولى للتنقير ، وهو نظير صوت الرعد ، فإنه إذا اشتد فربما مات سامعه ، والصيحة الشديدة التي يصيحها رجل بصبي فيفزع منه فيموت ، هذا آخر كلام الحليمي رحمه الله ، ولي فيه إشكال ، وهو أن هذا يقتضي أن يكون النقر إنما يحصل عند صيحة الإصعاق ، وذلك اليوم غير شديد [ ص: 174 ] على الكافرين ، لأنهم يموتون في تلك الساعة ، إنما اليوم الشديد على الكافرين عند صيحة الإحياء ، ولذلك يقولون : يا ليتها كانت القاضية ، أي : يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى .

والقول الثاني : إنه النفخة الثانية ، وذلك لأن الناقور هو الذي ينقر فيه ، أي ينكت ، فيجوز أنه إذا أريد أن ينفخ في المرة الثانية ، نقر أولا ، فسمي ناقورا لهذا المعنى ، وأقول : في هذا اللفظ بحث ، وهو أن الناقور فاعول من النقر ، كالهاضوم ما يهضم به ، والحاطوم ما يحطم به ، فكان ينبغي أن يكون الناقور ما ينقر به لا ما ينقر فيه .

المسألة الثالثة : العامل في قوله : ( فإذا نقر ) هو المعنى الذي دل عليه قوله : ( يوم عسير ) والتقدير : إذا نقر في الناقور عسر الأمر وصعب .

التالي السابق


الخدمات العلمية