صفحة جزء
( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير )

قوله تعالى : ( فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ) فيه مسائل :

المسألة الأولى : قوله " فذلك " إشارة إلى اليوم الذي ينقر فيه في الناقور ، والتقدير : فذلك اليوم ( يوم عسير ) ، وأما ( يومئذ ) ففيه وجوه :

الأول : أن يكون تفسيرا لقوله ( فذلك ) ؛ لأن قوله ( فذلك ) يحتمل أن يكون إشارة إلى النقر ، وأن يكون إشارة إلى اليوم المضاف إلى النقر ، فكأنه قال : ( فذلك ) أعني اليوم المضاف إلى النقر ( يوم عسير ) فيكون ( يومئذ ) في محل النصب .

والثاني : أن يكون ( يومئذ ) مرفوع المحل بدلا من ذلك ، و ( يوم عسير ) خبر ؛ كأنه قيل : فيوم النقر ( يوم عسير ) فعلى هذا " يومئذ " في محل الرفع ؛ لكونه بدلا من " ذلك " ، إلا أنه لما أضيف اليوم إلى " إذ " وهو غير متمكن - بني على الفتح .

الثالث : أن تقدير الآية : فذلك النقر يومئذ نقر يوم عسير ؛ على أن يكون العامل في ( يومئذ ) هو النقر .

المسألة الثانية : عسر ذلك اليوم على الكافرين لأنهم يناقشون في الحساب ويعطون كتبهم بشمائلهم وتسود وجوههم ويحشرون زرقا وتتكلم جوارحهم فيفتضحون على رؤوس الأشهاد ، وأما المؤمنون فإنه عليهم يسير لأنهم لا يناقشون في الحساب ويحشرون بيض الوجوه ثقال الموازين ، ويحتمل أن يكون إنما وصفه الله تعالى بالعسر لأنه في نفسه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين على ما روي أن الأنبياء يومئذ يفزعون ، وأن الولدان يشيبون إلا أنه يكون هول الكفار فيه أشد ، فعلى القول الأول لا يحسن الوقف على قوله : ( يوم عسير ) فإن المعنى أنه على الكافرين عسير ، وغير يسير ، وعلى القول الثاني يحسن الوقف ؛ لأن المعنى أنه في نفسه عسير على الكل ، ثم الكافر مخصوص فيه بزيادة خاصة ، وهو أنه عليه غير يسير ، فإن قيل : فما فائدة قوله : ( غير يسير ) وعسير مغن عنه ؟

الجواب : أما على القول الأول : فالتكرير للتأكيد كما تقول : أنا لك محب غير مبغض وولي غير عدو .

وأما على القول الثاني : فقوله : ( عسير ) يفيد أصل العسر الشامل للمؤمنين والكافرين ، وقوله : ( غير يسير ) يفيد الزيادة التي يختص بها الكافر لأن العسر قد يكون عسرا قليلا يسيرا ، وقد يكون عسرا كثيرا ، فأثبت أصل العسر للكل ، وأثبت العسر بصفة الكثرة والقوة للكافرين .

المسألة الثالثة : قال ابن عباس : لما قال إنه غير يسير على الكافرين ، كان يسيرا على المؤمنين ، فبعض من قال بدليل الخطاب قال : لولا أن دليل الخطاب حجة وإلا لما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافر كونه يسيرا على المؤمن .

[ ص: 175 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية