صفحة جزء
( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه )

قوله تعالى : ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) فيه مسائل :

المسألة الأولى : ذكروا في جواب القسم وجوها :

أحدها : وهو قول الجمهور أنه محذوف على تقدير [ ص: 192 ] ليبعثن ، ويدل عليه ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) .

وثانيها : قال الحسن : وقع القسم على قوله : ( بلى قادرين ) .

وثالثها : وهو أقرب ، أن هذا ليس بقسم بل هو نفي للقسم فلا يحتاج إلى الجواب ، فكأنه تعالى يقول : لا أقسم بكذا وكذا على شيء ، ولكني أسألك ( أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ) .

المسألة الثانية : المشهور أن المراد من الإنسان إنسان معين ، روي أن عدي بن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريق ، وهما اللذان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهما : " اللهم اكفني شر جاري السوء " ، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك يا محمد ولم أؤمن بك ، كيف يجمع الله العظام ؟ فنزلت هذه الآية ، وقال ابن عباس : يريد بالإنسان ههنا أبا جهل ، وقال جمع من الأصوليين : بل المراد بالإنسان المكذب بالبعث على الإطلاق .

المسألة الثالثة : قرأ قتادة : " أن لن تجمع عظامه " على البناء للمفعول ، والمعنى أن الكافر ظن أن العظام بعد تفرقها وصيرورتها ترابا واختلاط تلك الأجزاء بغيرها وبعدما نسفتها الرياح وطيرتها في أباعد الأرض لا يمكن جمعها مرة أخرى ، وقال تعالى في جوابه : ( بلى ) فهذه الكلمة أوجبت ما بعد النفي وهو الجمع ، فكأنه قيل : بل يجمعها ، وفي قوله : ( قادرين ) وجهان :

الأول : وهو المشهور ، أنه حال من الضمير في " نجمع " أي نجمع العظام قادرين على تأليفها جميعها وإعادتها إلى التركيب الأول . وهذا الوجه عندي فيه إشكال ، وهو أن الحال إنما يحسن ذكره إذا أمكن وقوع ذلك الأمر لا على تلك الحالة ، تقول : رأيت زيدا راكبا لأنه يمكن أن نرى زيدا غير راكب ، وههنا كونه تعالى جامعا للعظام يستحيل وقوعه إلا مع كونه قادرا ، فكان جعله حالا جاريا مجرى بيان الواضحات ، وإنه غير جائز .

والثاني : أن تقدير الآية كنا قادرين على أن نسوي بنانه في الابتداء فوجب أن نبقى قادرين على تلك التسوية في الانتهاء ، وقرئ " قادرون " أي ونحن قادرون ، وفي قوله : ( على أن نسوي بنانه ) وجوه :

أحدها : أنه نبه بالبنان على بقية الأعضاء ، أي نقدر على أن نسوي بنانه بعد صيرورته ترابا كما كان ، وتحقيقه أن من قدر على الشيء في الابتداء قدر أيضا عليه في الإعادة وإنما خص البنان بالذكر لأنه آخر ما يتم خلقه ، فكأنه قيل : نقدر على ضم سلاماته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت ، فكيف القول في كبار العظام .

وثانيها : ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) أي نجعلها مع كفه صفيحة مستوية لا شقوق فيها كخف البعير ، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة وسائر الأعمال اللطيفة التي يستعان عليها بالأصابع ، والقول الأول أقرب إلى الصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية