( 
عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر   ) 
قوله تعالى : ( 
عينا يشرب بها عباد الله   ) فيه مسائل : 
المسألة الأولى : إن قلنا : الكافور اسم النهر - كان " عينا " بدلا منه ، وإن شئت نصبت على المدح ، والتقدير : أعني عينا . أما إن قلنا : إن الكافور اسم لهذا الشيء المسمى بالكافور -كان " عينا " بدلا من محل " من كأس " على تقدير حذف مضاف ، كأنه قيل : يشربون خمرا خمر عين ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه . 
المسألة الثانية : قال في الآية الأولى : ( 
يشربون من كأس   ) وقال ههنا : ( 
يشرب بها   ) فذكر هناك " من " وههنا الباء ، والفرق أن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته . وأما العين فبها يمزجون شرابهم ، فكأن المعنى : يشرب عباد الله بها الخمر ، كما تقول : شربت الماء بالعسل .  
[ ص: 214 ] المسألة الثالثة : قوله : ( 
يشرب بها عباد الله   ) عام ، فيفيد أن كل عباد الله يشربون منها ، والكفار بالاتفاق لا يشربون منها ، فدل على أن لفظ عباد الله مختص بأهل الإيمان ، إذا ثبت هذا فقوله : ( 
ولا يرضى لعباده الكفر   ) [ الزمر : 7] لا يتناول الكفار بل يكون مختصا بالمؤمنين ، فيصير تقدير الآية : ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر ، فلا تدل الآية على أنه تعالى لا يريد كفر الكافر . 
قوله تعالى : ( 
يفجرونها تفجيرا   ) معناه يفجرونها حيث شاءوا من منازلهم تفجيرا سهلا لا يمتنع عليهم ، واعلم أنه سبحانه لما وصف 
ثواب الأبرار في الآخرة شرح أعمالهم التي بها استوجبوا ذلك الثواب : 
فالأول : قوله تعالى ( 
يوفون بالنذر   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافيا ، أما النذر فقال 
أبو مسلم    : 
النذر كالوعد ، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر ، وإن كان من الله تعالى فهو وعد ، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن يقول : لله علي كذا وكذا من الصدقة ، أو يعلق ذلك بأمر يلتمسه من الله تعالى ، مثل أن يقول : إن شفى الله مريضي ، أو رد غائبي فعلي كذا كذا ، واختلفوا فيما إذا علق ذلك بما ليس من وجوه البر ، كما إذا 
قال : إن دخل فلان الدار فعلي كذا ، فمن الناس من جعله كاليمين ، ومنهم من جعله من باب النذر ، إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين في تفسير الآية أقوال : 
أولها : أن المراد من النذر هو النذر فقط ، ثم قال الأصم : هذا مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات . لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه كان بما أوجبه الله عليه أوفى ، وهذا التفسير في غاية الحسن .
وثانيها : المراد بالنذر ههنا كل ما وجب عليه ، سواء وجب بإيجاب الله تعالى ابتداء أو بأن أوجبه المكلف على نفسه ، فيدخل فيه الإيمان وجميع الطاعات ؛ وذلك لأن النذر معناه الإيجاب . 
وثالثها : قال 
الكلبي    : المراد من النذر العهد والعقد ، ونظيره قوله تعالى : ( 
وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم   ) [ البقرة : 40] فسمى فرائضه عهدا ، وقال : ( 
أوفوا بالعقود   ) [ المائدة : 1] سماها عقودا لأنهم عقدوها على أنفسهم باعتقادهم الإيمان . 
المسألة الثانية : هذه الآية دالة على وجوب 
الوفاء بالنذر ؛ لأنه تعالى عقبه بـ ( 
يخافون يوما   ) وهذا يقتضي أنهم إنما وفوا بالنذر خوفا من شر ذلك اليوم ، والخوف من شر ذلك اليوم لا يتحقق إلا إذا كان الوفاء به واجبا ، وتأكد هذا بقوله تعالى : ( 
ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها   ) [ النحل : 91] ، وبقوله : ( 
ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم   ) [ الحج : 29] فيحتمل : ليوفوا أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم . 
المسألة الثالثة : قال 
الفراء  وجماعة من أرباب المعاني : " كان " في قوله ( 
كان مزاجها كافورا   ) زائدة . وأما ههنا فـ " كان " محذوفة ، والتقدير : كانوا يوفون بالنذر . ولقائل أن يقول : إنا بينا أن " كان " في قوله : ( 
كان مزاجها   ) ليست بزائدة ، وأما في هذه الآية فلا حاجة إلى إضمارها ، وذلك لأنه تعالى ذكر في الدنيا أن الأبرار يشربون أي سيشربون ، فإن لفظ المضارع مشترك بين الحال والاستقبال ، ثم قال : السبب في ذلك الثواب الذي سيجدونه أنهم الآن ( 
يوفون بالنذر   ) .