[ ص: 130 ] 
( 
ونيسرك لليسرى   ) 
أما قوله تعالى : ( 
ونيسرك لليسرى   ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : 
اليسرى هي أعمال الخير التي تؤدي إلى اليسر ، إذا عرفت هذا فنقول : للمفسرين فيه وجوه : 
أحدها : أن قوله : ( 
ونيسرك   ) معطوف على ( 
سنقرئك   ) وقوله : ( 
إنه يعلم الجهر وما يخفى   ) اعتراض ، والتقدير : سنقرئك فلا تنسى ، ونوفقك للطريقة التي هي أسهل وأيسر ، يعني في حفظ القرآن . 
وثانيها : قال 
ابن مسعود    : اليسرى الجنة ، والمعنى نيسرك للعمل المؤدي إليها . 
وثالثها : نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه وتعمل به . 
ورابعها : نوفقك للشريعة وهي الحنيفية السهلة السمحة ، والوجه الأول أقرب . 
المسألة الثانية : لسائل أن يسأل فيقول العبارة المعتادة أن يقال : جعل الفعل الفلاني ميسرا لفلان ، ولا يقال : جعل فلان ميسرا للفعل الفلاني فما الفائدة فيه ههنا ؟ . 
الجواب : أن هذه العبارة كما أنها اختيار القرآن في هذا الموضع ، وفي سورة الليل أيضا ، فكذا هي اختيار الرسول في قوله عليه السلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013948اعملوا فكل ميسر لما خلق له   " وفيه لطيفة علمية ، وذلك لأن ذلك الفعل في نفسه ماهية ممكنة قابلة للوجود والعدم على السوية ، فما دام القادر يبقى بالنسبة إلى فعلها وتركها على السوية امتنع صدور الفعل عنه ، فإذا ترجح جانب الفاعلية على جانب التاركية ، فحينئذ يحصل الفعل ، فثبت أن الفعل ما لم يجب لم يوجد ، وذلك الرجحان هو المسمى بالتيسير ، فثبت أن الأمر بالتحقيق هو أن الفاعل يصير ميسرا للفعل ، لا أن الفعل يصير ميسرا للفاعل ، فسبحان من له تحت كل كلمة حكمة خفية وسر عجيب يبهر العقول . 
المسألة الثالثة : إنما قال : ( 
ونيسرك لليسرى   ) بنون التعظيم لتكون عظمة المعطي دالة على عظمة العطاء ، نظيره قوله تعالى : ( 
إنا نحن نزلنا الذكر   ) [ الحجر : 9 ] ( 
إنا أعطيناك الكوثر   ) [ الكوثر : 1 ] دلت هذه الآية على 
أنه سبحانه فتح عليه من أبواب التيسير والتسهيل ما لم يفتحه على أحد غيره ، وكيف لا وقد كان صبيا لا أب له ولا أم له نشأ في قوم جهال ، ثم إنه تعالى جعله في أفعاله وأقواله قدوة للعالمين ، وهديا للخلق أجمعين .