صفحة جزء
أما قوله تعالى : ( أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) فاعلم أن في الآية مسائل :

[ ص: 11 ] المسألة الأولى : ظاهر الكلام أن الذين آمنوا وسعوا في تخريب المسجد هم الذين يحرم عليهم دخوله إلا خائفين ، وأما من يجعله عاما في الكل فذكروا في تفسير هذا الخوف وجوها :

أحدها : ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على حال الهيبة وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلا أن يستولوا عليهم ، ويمنعوا المؤمنين منها ، والمعنى : ما كان الحق والواجب إلا ذلك ، لولا ظلم الكفرة وعتوهم .

وثانيها : أن هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، وأنه يذل المشركين لهم حتى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفا ، يخاف أن يؤخذ فيعاقب ، أو يقتل إن لم يسلم ، وقد أنجز الله صدق هذا الوعد ، فمنعهم من دخول المسجد الحرام ، ونادى فيهم عام حج أبو بكر رضي الله عنه : ألا لا يحجن بعد العام مشرك ، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بإخراج اليهود من جزيرة العرب ، فحج من العام الثاني ظاهرا على المساجد لا يجترئ أحد من المشركين أن يحج ، ويدخل المسجد الحرام ، وهذا هو تفسير أبي مسلم في حمل المنع من المساجد على صدهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الحرام عام الحديبية ، ويحمل هذا الخوف على ظهور أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغلبته لهم بحيث يصيرون خائفين منه ومن أمته .

وثالثها : أن يحمل هذا الخوف على ما يلحقهم من الصغار والذل بالجزية والإذلال .

ورابعها : أنه يحرم عليهم دخول المسجد الحرام إلا في أمر يتضمن الخوف نحو أن يدخلوا للمخاصمة والمحاكمة والمحاجة ؛ لأن كل ذلك يتضمن الخوف ، والدليل عليه قوله تعالى : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ التوبة : 17 ] .

وخامسها : قال قتادة والسدي : قوله : ( إلا خائفين ) بمعنى أن النصارى لا يدخلون بيت المقدس إلا خائفين ، ولا يوجد فيه نصراني إلا أوجع ضربا ، وهذا التأويل مردود ؛ لأن بيت المقدس بقي أكثر من مائة سنة في أيدي النصارى ، بحيث لم يتمكن أحد من المسلمين من الدخول فيه إلا خائفا ، إلى أن استخلصه الملك صلاح الدين رحمه الله في زماننا .

وسادسها : أن قوله : ( ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ) وإن كان لفظه لفظ الخبر ، لكن المراد منه النهي عن تمكينهم من الدخول ، والتخلية بينهم وبينه ؛ كقوله : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) [ الأحزاب : 53 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية