1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما
صفحة جزء
المسألة الثانية : اعلم أن الصفا والمروة علمان للجبلين المخصوصين إلا أن الناس تكلموا في أصل اشتقاقهما ، قال القفال - رحمه الله - : قيل إن الصفا واحد ويجمع على صفي وأصفاء كما يقال عصا وعصي ، ورحا وأرحاء قال الراجز :


كأن متنيه من النفي مواقع الطير من الصفي



وقد يكون بمعنى جمع واحدته صفاة ، قال جرير :


إنا إذا قرع العدو صفاتنا     لاقوا لنا حجرا أصم صلودا



وفي كتاب الخليل : الصفا الحجر الضخم الصلب الأملس ، وإذا نعتوا الصخرة قالوا : صفاة صفواء ، وإذا ذكروا قالوا : صفا صفوان . فجعل الصفا والصفاة كأنهما في معنى واحد ، وقال المبرد : الصفا كل حجر لا يخالطه غيره من طين أو تراب متصل به ، واشتقاقه من صفا يصفو إذا خلص ، وأما المروة فقال الخليل : من الحجارة ما كان أبيض أملس صلبا شديد الصلابة ، وقاله غيره : هو الحجارة الصغيرة ، جمع في القليل مروات وفي الكثير مرو ، قال أبو ذؤيب :


حتى كأني للحوادث مروة     بصفا المشاعر كل يوم يقرع



وأما ( شعائر الله ) فهي أعلام طاعته ، وكل شيء جعل علما من أعلام طاعة الله فهو من شعائر الله ، قال الله تعالى : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ) [ الحج : 36 ] أي علامة للقربة ، وقال : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله ) [ الحج : 32 ] وشعائر الحج : معالم نسكه ومنه المشعر الحرام ، ومنه إشعار السنام : وهو أن يعلم بالمدية فيكون ذلك علما على إحرام صاحبها ، وعلى أنه قد جعله هديا لبيت الله ، ومنه الشعائر في الحرب ، وهو العلامة التي يتبين بها إحدى الفئتين من الأخرى ، والشعائر جمع شعيرة ، وهو مأخوذ من الإشعار الذي هو الإعلام ، ومنه قولك : شعرت بكذا ، أي علمت .

المسألة الثالثة : الشعائر إما أن نحملها على العبادات أو على النسك ، أو نحملها على مواضع العبادات والنسك ، فإن قلنا بالأول حصل في الكلام حذف ؛ لأن نفس الجبلين لا يصح وصفهما بأنهما دين ونسك ، فالمراد به أن الطواف بينهما والسعي من دين الله تعالى ، وإن قلنا بالثاني استقام ظاهر الكلام ؛ لأن هذين الجبلين يمكن أن يكونا موضعين للعبادات والمناسك ، وكيف كان فالسعي بين هذين الجبلين من شعائر الله ، ومن أعلام دينه ، وقد شرعه الله تعالى لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولإبراهيم - عليه السلام - قبل ذلك ، وهو من المناسك الذي حكى الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قال : ( وأرنا مناسكنا ) واعلم أن السعي ليس عبادة تامة في نفسه بل إنما يصير عبادة إذا صار بعضا من أبعاض الحج ، فلهذا السر بين الله تعالى الموضع الذي فيه يصير السعي عبادة فقال : ( فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية