صفحة جزء
المسألة العشرون :

أصل الإعراب أن يكون بالحركة : لأنا ذكرنا أن الأصل في الإعراب أن يجعل الأحوال العارضة للفظ دلائل على الأحوال العارضة للمعنى ، والعارض للحرف هو الحركة لا الحرف الثاني ، وأما الصور التي جاء إعرابها بالحروف فذلك للتنبيه على أن هذه الحروف من جنس تلك الحركات .

المسألة الحادية والعشرون :

الاسم المعرب ، ويقال له المتمكن : نوعان :

أحدهما : ما يستوفي حركات الإعراب والتنوين وهو المنصرف والأمكن .

والثاني ما لا يكون كذلك بل يحذف عنه الجر والتنوين ويحرك بالفتح في موضع الجر إلا إذا أضيف أو دخله لام التعريف ، ويسمى غير المنصرف ، والأسباب المانعة من الصرف تسعة فمتى حصل في الاسم اثنان منها أو تكرر سبب واحد فيه امتنع من الصرف وهي : العلمية والتأنيث اللازم لفظا ومعنى ، ووزن الفعل الخاص به أو الغالب عليه ، والوصفية ، والعدل ، والجمع الذي ليس على زنة واحدة ، والتركيب ، والعجمة في الأعلام خاصة ، والألف والنون المضارعتان لألفي التأنيث .

المسألة الثانية والعشرون :

إنما صار اجتماع اثنين من هذه التسعة مانعا من الصرف ؛ لأن كل واحد منها فرع ، والفعل فرع عن الاسم ، فإذا حصل في الاسم سببان من هذه التسعة صار ذلك الاسم شبيها بالفعل في الفرعية ، وتلك المشابهة تقتضي منع الصرف ، فهذه مقدمات أربع :

المقدمة الأولى :

في بيان أن كل واحد من هذه التسعة فرع ، أما بيان أن العلمية فرع ؛ فلأن وضع الاسم للشيء لا يمكن إلا بعد صيرورته معلوما ، والشيء في الأصل لا يكون معلوما ثم يصير معلوما ، وأما أن التأنيث فرع ؛ فبيانه تارة بحسب اللفظ وأخرى بحسب المعنى . أما بحسب اللفظ ؛ فلأن كل لفظة وضعت لماهية فإنها تقع على الذكر من تلك الماهية بلا زيادة وعلى الأنثى بزيادة علامة التأنيث ، وأما بحسب المعنى ؛ فلأن الذكر أكمل من الأنثى ، والكامل مقصود بالذات ، والناقص مقصود بالعرض .

وأما أن الوزن الخاص بالفعل أو الغالب عليه فرع ؛ فلأن وزن الفعل فرع للفعل ، والفعل فرع للاسم ، وفرع الفرع فرع ، وأما أن الوصف فرع ؛ فلأن الوصف فرع عن الموصوف ، وأما أن العدل فرع فلأن العدول عن الشيء إلى غيره مسبوق بوجود ذلك الأصل وفرع عليه ، وأما أن الجمع الذي ليس على زنته واحد فرع فلأن ذلك الوزن فرع على وجود الجمع ؛ لأنه لا يوجد إلا فيه ، والجمع فرع على الواحد : لأن الكثرة فرع على الوحدة ، وفرع الفرع فرع ، وبهذا الطريق يظهر أن التركيب فرع ، وأما أن المعجمة فرع ؛ فلأن تكلم كل طائفة بلغة أنفسهم أصل ، وبلغة غيرهم فرع ، وأما أن الألف والنون في سكران وأمثاله يفيدان الفرعية ؛ فلأن الألف والنون زائدان على جوهر الكلمة ، والزائد فرع فثبت بما ذكرنا أن هذه الأسباب التسعة توجب الفرعية .

المقدمة الثانية :

في بيان أن الفعل فرع ، والدليل عليه أن الفعل عبارة عن اللفظ الدال على وقوع المصدر في زمان معين فوجب كونه فرعا على المصدر . [ ص: 51 ]

المقدمة الثالثة :

أنه لما ثبت ما ذكرناه ثبت أن الاسم الموصوف بأمرين من تلك الأمور التسعة يكون مشابها للفعل في الفرعية ومخالفا له في كونه اسما في ذاته ، والأصل في الفعل عدم الإعراب كما ذكرنا ، فوجب أن يحصل في مثل هذا الاسم أثران بحسب كل واحد من الاعتبارين المذكورين ، وطريقه أن يبقى إعرابها من أكثر الوجوه ، ويمنع من إعرابها من بعض الوجوه ليتوفر على كل واحد من الاعتبارين ما يليق به .

المسألة الثالثة والعشرون :

إنما ظهر هذا الأثر في منع التنوين والجر لأجل أن التنوين يدل على كمال الاسم ، فإذا ضعف الاسم بحسب حصول هذه الفرعية أزيل عنه ما دل على كمال حاله ، وأما الجر ؛ فلأن الفعل يحصل فيه الرفع والنصب ، وأما الجر فغير حاصل فيه ، فلما صارت الأسماء مشابهة للفعل لا جرم سلب عنها الجر الذي هو من خواص الأسماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية