صفحة جزء
( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم )

قوله تعالى : ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) .

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمرنا في الآية السالفة بتناول الحلال فصل في هذه الآية أنواع الحرام . والكلام فيها على نوعين :

النوع الأول : ما يتعلق بالتفسير .

والنوع الثاني : ما يتعلق بالأحكام التي استنبطها العلماء من هذه الآية .

فالنوع الأول فيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أن كلمة ( إنما ) على وجهين :

أحدهما : أن تكون حرفا واحدا ، كقولك : إنما داري دارك ، وإنما مالي مالك .

الثاني : أن تكون ( ما ) منفصلة من : " إن " وتكون ( ما ) بمعنى الذي ، كقولك : إن ما أخذت مالك ، وإن ما ركبت دابتك ، وجاء في التنزيل على الوجهين ؛ أما على الأول فقوله : ( إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] و ( إنما أنت نذير ) [ هود : 12 ] .

وأما على الثاني فقوله : ( إنما صنعوا كيد ساحر ) [ طه : 69 ] ولو نصبت " كيد ساحر " على أن تجعل " إنما " حرفا واحدا كان صوابا ، وقوله : ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم ) [ العنكبوت : 25 ] تنصب المودة وترفع على هذين الوجهين ، واختلفوا في حكمها على الوجه الأول ، فمنهم من قال " إنما " تفيد الحصر ، واحتجوا عليه بالقرآن والشعر والقياس ؛ أما القرآن فقوله تعالى : ( إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] أي ما هو إلا إله واحد ، وقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) [ التوبة : 60 ] أي لهم لا لغيرهم ، وقال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( قل إنما أنا بشر مثلكم ) [ الكهف : 110 ] أي ما أنا إلا بشر مثلكم ، وكذا هذه الآية فإنه تعالى قال في آية أخرى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ) [ الأنعام : 145 ] فصارت الآيتان واحدة ، فقوله : ( إنما حرم عليكم ) في هذه الآية مفسر لقوله : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ) إلا كذا في تلك الآية ، وأما الشعر فقول الأعشى :


ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر



وقول الفرزدق :


أنا الذائد الحامي الذمار وإنما     يدافع عن أحسابه أنا أو مثلي



وأما القياس ، فهو أن كلمة " إن " للإثبات وكلمة ( ما ) للنفي ، فإذا اجتمعا فلا بد وأن يبقيا على أصليهما ؛ فإما أن يفيدا ثبوت غير المذكور ونفي المذكور - وهو باطل بالاتفاق - أو ثبوت المذكور ونفي غير [ ص: 11 ] المذكور وهو المطلوب .

واحتج من قال : إنه لا يفيد الحصر بقوله تعالى : ( إنما أنت نذير ) [ هود : 12 ] ولقد كان غيره نذيرا ، وجوابه ؛ معناه : ما أنت إلا نذير فهو يفيد الحصر ، ولا ينفي وجود نذير آخر .

المسألة الثانية : قرئ ( حرم ) على البناء للفاعل و ( حرم ) للبناء للمفعول و ( حرم ) بوزن كرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية