المسألة الثالثة : 
الميتة من حيث اللغة هو الذي خرج من أن يكون حيا من دون نقض بنية ، ولذلك فرقوا بين المقتول والميت ، وأما من جهة الشرع فهو غير المذكى ، إما لأنه لم يذبح أو أنه ذبح ولكن لم يكن ذبحه ذكاة . وسنذكر حد الذكاة في موضعه ، فإن قيل : كيف يصح ذلك وقد قال تعالى في سورة المائدة : ( 
حرمت عليكم الميتة والدم   ) [ المائدة : 3 ] ثم ذكر من بعده المنخنقة والموقوذة والمتردية فدل هذا على أن غير   
[ ص: 14 ] المذكى منه ما هو ميتة ومنه ما ليس كذلك ، قلنا : لعل الأمر كان في ابتداء الشرع على أصل اللغة ، وأما بعد استقرار الشرع فالميتة ما ذكرناه والله أعلم . 
أما المقاصد ؛ فاعلم أن الخطأ في المسائل المستنبطة من هذه الآية من وجهين : 
أحدهما : ما أخرجوه عن الآية وهو داخل فيها . 
والثاني : ما أدخلوه فيها وهو خارج عنها . 
أما القسم الأول ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : ذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رضي الله عنه في أظهر أقواله إلى أنه يحرم 
الانتفاع بصوف الميتة وشعرها وعظمها   . وقال 
مالك    : يحرم الانتفاع بعظمها خاصة . وجل الفقهاء اتفقوا على تحريم 
الانتفاع بشعر الخنزير ، واحتج هؤلاء بأن هذه الأشياء ميتة فوجب أن يحرم الانتفاع بها ، إنما قلنا : إنها ميتة لقوله عليه السلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011713ما أبين من حي فهو ميت   " وهذا الخبر يعم الشعر والعظم والكل ، وأما الذي يدل على أن العظم ميتة خاصة فقوله تعالى : ( 
من يحيي العظام وهي رميم   ) [ يس : 78 ] فثبت أنها كانت حية فعند الموت تصير ميتة ، وإذا ثبت أنها ميتة وجب أن يحرم الانتفاع بها لقوله تعالى : ( 
حرمت عليكم الميتة   ) . 
اعترض المخالف عليه بأن الشعر والصوف لا حياة فيه ؛ لأن حكم الحياة الإدراك والشعور وذلك مفقود في الشعر ، ولأجل هذا الكلام ذهب 
مالك  إلى تنجيس العظام دون الشعور . 
والجواب : أن الحياة ليست عبارة عن المعنى المقتضي للإدراك والشعور بدليل الآية والخبر ؛ أما الآية فقوله تعالى : ( 
كيف يحيي الأرض بعد موتها   ) [ الروم : 50 ] وأما الخبر فقوله عليه السلام : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011714من أحيا أرضا ميتة فهي له   " والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فعلمنا أن الحياة في أصل اللغة ليست عبارة عما ذكرتموه ، بل عن كون الحيوان أو النبات صحيحا في مزاجه معتدلا في حاله غير متعرض للفساد والتعفن والتفرق ، وإذا ثبت ذلك ظهر اندراجه تحت الآية . 
واحتج 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة  بالقرآن والخبر والإجماع والقياس : 
أما القرآن فقوله تعالى : ( 
ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين   ) [ النحل : 30 ] حيث ذكرها في معرض المنة ، والامتنان لا يقع بالنجس الذي لا يحل الانتفاع به . 
وأما الخبر فقوله عليه السلام في شاة 
ميمونة    " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011715إنما حرم من الميتة أكلها   " وأما الإجماع ، فهو أنهم كانوا 
يلبسون جلود الثعالب ، ويجعلون منها القلانس ، وعن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي    : كانوا لا يرون 
بجلود السباع وجلود الميتة إذا دبغت بأسا ، وما خصوا حال الشعر وعدمه ، وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : " كانوا " إشارة إلى الصحابة وليس لأحد أن يقول : الثعلب عند 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  رضي الله عنه حلال ، فلهذا يقول بإباحته ؛ لأن الذكاة شرط بالاتفاق وهو غير حاصل في هذه الثعالب . 
وأما القياس فلأن هذه الشعور والعظام أجسام منتفع بها غير متعرضة للتعفن والفساد ، فوجب أن يقضى بطهارتها كالجلود المدبوغة ، وأما النفع بشعر الخنزير : ففي الفقهاء من منع نجاسته وهو الأسلم ، ثم قالوا : هب أن عموم قوله : ( 
حرمت عليكم الميتة   ) يقتضي حرمة الانتفاع بالصوف والعظم وغيرهما إلا أن هذه الدلائل تنتج الانتفاع بها ، والخاص مقدم على العام فكان هذا الجانب أولى بالرعاية .