1. الرئيسية
  2. التفسير الكبير
  3. سورة البقرة
  4. قوله تعالى فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم
صفحة جزء
المسألة الثانية : الكناية في قوله : ( فمن بدله ) عائد إلى الوصية ، مع أن الكناية المذكورة مذكرة والوصية مؤنثة ، وذكروا فيه وجوها :

أحدها : أن الوصية بمعنى الإيصاء ودالة عليه ، كقوله تعالى : ( فمن جاءه موعظة ) [ البقرة : 275 ] أي وعظ ، والتقدير : فمن بدل ما قاله الميت ، أو ما أوصى به أو سمعه عنه .

وثانيها : قيل الهاء راجعة إلى الحكم والفرض والتقدير : فمن بدل الأمر المقدم ذكره .

وثالثها : أن الضمير عائد إلى ما أوصى به الميت فلذلك ذكره ، وإن كانت الوصية مؤنثة .

ورابعها : أن الكناية تعود إلى معنى الوصية وهو قول أو فعل .

وخامسها : أن تأنيث الوصية ليس بالحقيقي فيجوز أن يكنى عنها بكناية المذكر .

أما قوله : ( بعدما سمعه ) فهو يدل على أن الإثم إنما يثبت أو يعظم بشرط أن يكون المبدل قد علم ذلك ؛ لأنه لا معنى للسماع لو لم يقع العلم به ، فصار إثبات سماعه كإثبات علمه .

أما قوله : ( فإنما إثمه على الذين يبدلونه ) فاعلم أن كلمة ( إنما ) للحصر ، والضمير في قوله : ( إثمه ) عائد إلى التبديل ، والمعنى : أن إثم ذلك التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، وقد تقدم بيان أن المبدل من هو .

واعلم أن العلماء استدلوا بهذه الآية على أحكام :

أحدها : أن الطفل لا يعذب على كفر أبيه .

وثانيها : أن الإنسان إذا أمر الوارث بقضاء دينه ، ثم إن الوارث قصر فيه بأن لا يقضي دينه فإن الإنسان الميت لا يعذب [ ص: 56 ] بسبب تقصير ذلك الوارث خلافا لبعض الجهال .

وثالثها : أن الميت لا يعذب ببكاء غيره عليه ، وذلك ؛ لأن هذه الآية دالة على أن إثم التبديل لا يعود إلا إلى المبدل ، فإن الله تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره ، وتتأكد دلالة هذه الآية بقوله تعالى : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) [ فصلت : 46 ] ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) [ البقرة : 286 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية