المسألة الثانية : 
القرآن اسم لما بين الدفتين من كلام الله ، واختلفوا في اشتقاقه ، فروى 
الواحدي  في " البسيط " عن 
محمد بن عبد الله بن الحكم  أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    - رضي الله عنه - كان يقول : إن القرآن اسم وليس بمهموز ولم يؤخذ من قرأت ، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة والإنجيل ، قال : ويهمز قراءة ولا يهمز القرآن كما يقول : ( 
وإذا قرأت القرآن   ) [ الإسراء : 45 ] ، قال 
الواحدي    : وقول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  إنه اسم لكتاب الله يشبه أنه ذهب إلى أنه غير مشتق ، وذهب آخرون إلى أنه مشتق ، واعلم أن القائلين بهذا القول منهم من لا يهمزه ومنهم من يهمزه ،   
[ ص: 74 ] أما الأولون فلهم فيه اشتقاقان : 
أحدهما : أنه مأخوذ من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممت أحدهما إلى الآخر ، فهو مشتق من قرن والاسم قران غير مهموز ، فسمي القران قرانا ، إما لأن ما فيه من السور والآيات والحروف يقترن بعضها ببعض ، أو لأن ما فيه من الحكم والشرائع مقترن بعضها ببعض ، أو لأن ما فيه من الدلائل الدالة على كونه من عند الله مقترن بعضها ببعض ، أعني اشتماله على جهات الفصاحة وعلى الأسلوب الغريب ، وعلى الإخبار عن المغيبات ، وعلى العلوم الكثيرة ، فعلى هذا التقدير هو مشتق من قرن والاسم قران غير مهموز . 
وثانيهما : قال 
الفراء    : أظن أن القرآن سمي من القرائن ، وذلك لأن الآيات يصدق بعضها بعضا على ما قال تعالى : ( 
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا   ) [ النساء : 82 ] فهي قرائن ، وأما الذين همزوا فلهم وجوه : 
أحدها : أنه مصدر القراءة ، يقال : قرأت القرآن فأنا أقرؤه قرءا وقراءة وقرآنا ، فهو مصدر ، ومثل القرآن من المصادر : الرجحان والنقصان والخسران والغفران ، قال الشاعر : 
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا 
أي قراءة ، وقال الله سبحانه وتعالى : ( 
إن قرآن الفجر كان مشهودا   ) [ الإسراء : 78 ] هذا هو الأصل ، ثم إن المقروء يسمى قرآنا ، لأن المفعول يسمى بالمصدر ، كما قالوا للمشرب : شراب وللمكتوب كتاب ، واشتهر هذا الاسم في العرف حتى جعلوه اسما لكلام الله تعالى . 
وثانيها : قال 
الزجاج  وأبو عبيدة    : إنه مأخوذ من القرء وهو الجمع ، قال 
عمرو    : 
هجان اللون لم تقرأ جنينا 
  . 
أي لم تجمع في رحمها ولدا ، ومن هذا الأصل : قرء المرأة وهو أيام اجتماع الدم في رحمها ، فسمي القرآن قرآنا ، لأنه يجمع السور ويضمها . 
وثالثها : قول قطرب وهو أنه سمي قرآنا ، لأن القارئ يكتبه ، وعند القراءة كأنه يلقيه من فيه أخذا من قول العرب : ما قرأت الناقة سلى قط ، أي ما رمت بولد وما أسقطت ولدا قط وما طرحت ، وسمي الحيض قرءا لهذا التأويل ، فالقرآن يلفظه القارئ من فيه ويلقيه فسمي قرآنا . 
المسألة الثالثة : قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى : ( 
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا   ) [ البقرة : 23 ] ، أن التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج ، والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة ، ولهذا قال الله تعالى : ( 
نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل   ) [ آل عمران : 3 ] ، إذا ثبت هذا فنقول : لما كان المراد ههنا من قوله تعالى : ( 
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   ) أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل ، وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال .