صفحة جزء
أما قوله تعالى : ( فلا تقربوها ) ففيه إشكالان :

الأول : أن قوله تعالى : ( تلك حدود الله ) إشارة إلى كل ما تقدم ، والأمور المتقدمة بعضها إباحة وبعضها حظر ، فكيف قال في الكل ( فلا تقربوها ) .

والثاني : أنه تعالى قال في آية أخرى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) [ البقرة : 229 ] ، وقال في آية المواريث : [ ص: 99 ] ( ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ) [ النساء : 14 ] وقال ههنا : ( فلا تقربوها ) فكيف الجمع بينهما ؟

والجواب عن السؤالين من وجوه :

الأول : وهو الأحسن والأقوى أن من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق ، فنهي أن يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الضلال ، ثم بولغ في ذلك فنهي أن يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيز الحق والباطل ، لئلا يداني الباطل وأن يكون بعيدا عن الطرف فضلا أن يتخطاه ، كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " .

الثاني : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني : لا تقربوها أي لا تتعرضوا لها بالتغيير كقوله : ( ولا تقربوا مال اليتيم ) [ الأنعام : 152 ] .

الثالث : أن الأحكام المذكورة فيما قبل وإن كانت كثيرة إلا أن أقربها إلى هذه الآية إنما هو قوله : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ، وقبل هذه الآية قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) وذلك يوجب حرمة الأكل والشرب في النهار ، وقبل هذه الآية قوله : ( وابتغوا ما كتب الله لكم ) وهو يقتضي تحريم مواقعة غير الزوجة والمملوكة وتحريم مواقعتهما في غير المأتى وتحريم مواقعتهما في الحيض والنفاس والعدة والردة ، وليس فيه إلا إباحة الشرب والأكل والوقاع في الليل ، فلما كانت الأحكام المتقدمة أكثرها تحريمات ، لا جرم غلب جانب التحريم فقال : ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) أي تلك الأشياء التي منعتم عنها إنما منعتم عنها بمنع الله ونهيه عنها فلا تقربوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية