صفحة جزء
المسألة الرابعة : اعلم أنه لا بد وأن نشير إشارة حقيقية إلى ترتيب أعمال الحج حتى يسهل الوقوف على معنى الآية ، فمن دخل مكة محرما في ذي الحجة أو قبله ، فإن كان مفردا أو قارنا طاف طواف القدوم ، وأقام على إحرامه حتى يخرج إلى عرفات ، وإن كان متمتعا طاف وسعى وحلق وتحلل من عمرته وأقام إلى وقت خروجه إلى عرفات ، وحينئذ يحرم من جوف مكة بالحج ويخرج ، وكذلك من أراد الحج من أهل مكة ، والسنة للإمام أن يخطب بمكة يوم السابع من ذي الحجة ، بعدما يصلي الظهر خطبة واحدة يأمر الناس فيها بالذهاب غدا بعدما يصلون الصبح إلى منى ، ويعلمهم تلك الأعمال ، ثم إن القوم يذهبون يوم التروية إلى منى بحيث يوافون الظهر بها ، ويصلون بها مع الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح من يوم عرفة ، ثم إذا طلعت الشمس على ثبير يتوجهون إلى عرفات ، فإذا دنوا منها فالسنة أن لا يدخلوها ، بل يضرب فيه الإمام بنمرة وهي قريبة من عرفة ، فينزلون هناك حتى تزول الشمس ، فيخطب الإمام خطبتين يبين لهم مناسك الحج ويحرضهم على إكثار الدعاء والتهليل بالموقف ، فإذا فرغ من الخطبة الأولى جلس ، ثم قام وافتتح الخطبة الثانية والمؤذنون يأخذون في الأذان معه ويخفف بحيث يكون فراغه منها مع فراغ المؤذنين من الأذان ، ثم ينزل فيقيم المؤذنون فيصلي بهم الظهر ، ثم يقيمون في الحال ويصلي بهم العصر ، وهذا الجمع متفق عليه ، ثم بعد الفراغ من الصلاة يتوجهون إلى عرفات فيقفون عند الصخرات ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك ، وإذا وقفوا استقبلوا القبلة يذكرون الله تعالى ويدعونه إلى غروب الشمس .

واعلم أن الوقوف ركن لا يدرك الحج إلا به ، فمن فاته الوقوف في وقته وموضوعه فقد فاته الحج ، ووقت الوقوف يدخل بزوال الشمس من يوم عرفة ، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وذلك نصف يوم وليلة كاملة ، وإذا حضر الحاج هناك في هذا الوقت لحظة واحدة من ليل أو نهار فقد كفى ، وقال أحمد : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة ، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر فإذا غربت الشمس دفع الإمام من عرفات وأخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء بالمزدلفة .

وفي تسمية المزدلفة أقوال :

أحدها : أنهم يقربون فيها من منى ، والازدلاف القرب .

والثاني : أن الناس يجتمعون فيها ، والاجتماع الازدلاف .

والثالث : أنهم يزدلفون إلى الله تعالى أي يتقربون بالوقوف ، ويقال للمزدلفة : جمع لأنه يجمع فيها بين صلاة العشاء والمغرب ، وهذا قول قتادة ، وقيل إن آدم عليه السلام اجتمع فيها مع حواء ، وازدلف إليها أي دنا منها ، ثم إذا أتى الإمام المزدلفة جمع المغرب والعشاء بإقامتين ، ثم يبيتون بها ، فإن لم يبت بها فعليه دم شاة ، فإذا طلع الفجر صلوا صلاة الصبح بغلس ، والتغليس بالفجر ههنا أشد استحبابا منه في غيرها ، وهو متفق عليه ، فإذا صلوا الصبح أخذوا منها الحصى للرمي ، يأخذ كل إنسان منها سبعين حصاة ، ثم يذهبون إلى المشعر الحرام ، وهو جبل يقال له قزح ، وهو المراد من قوله تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) وهذا الجبل أقصى المزدلفة مما يلي منى ، فيرقى فوقه إن أمكنه ، أو وقف بالقرب منه إن لم يمكنه ، ويحمد الله تعالى يهلله ويكبره ، ولا [ ص: 151 ] يزال كذلك حتى يسفر جدا ، ثم يدفع قبل طلوع الشمس ويكفي المرور كما في عرفة ، ثم يذهبون منه إلى وادي محسر ، فإذا بلغوا بطن محسر فيستحب لمن كان راكبا أن يحرك دابته ، ومن كان ماشيا أن يسعى سعيا شديدا قدر رمية حجر ، فإذا أتوا منى رموا جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ، ويقطع التلبية إذا ابتدأ الرمي ، فإذا رمى جمرة العقبة ذبح الهدي إن كان معه هدي وذلك سنة لو تركه لا شيء عليه ؛ لأنه ربما لا يكون معه هدي ، ثم بعدما ذبح الهدي يحلق رأسه أو يقصر والتقصير أن يقطع أطراف شعوره ، ثم بعد الحلق يأتي مكة ويطوف بالبيت طواف الإفاضة ، ويصلي ركعتي الطواف ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم بعد ذلك يعودون إلى منى في بقية يوم النحر وعليهم البيتوتة بمنى ليالي التشريق لأجل الرمي ، واتفقوا على أنه متى حصل الرمي والحلق والطواف فقد حصل التحلل ، والمراد من التحلل حل اللبس والتقليم والجماع ، فهذا هو الكلام في أعمال الحج والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية